المحاضرة الرمضانية الخامسة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 6 رمضان 1439هـ
الإنسان بين الرجاء الصادق والأماني الخادعة
أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله خاتم النبيين.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات:
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
يستمر الحديث عن الإنذار الإلهي، وأول ما ينذرنا الله -سبحانه وتعالى- به هو: العقوبات العاجلة في الدنيا على سيئ الأعمال، على المعاصي والذنوب، على المخالفات، على الرفض لتوجيهات الله وأوامره -سبحانه وتعالى- ينذرنا الله -سبحانه وتعالى- أيضًا بخطورة فوات الفرصة، فرصة الحياة التي لا يمكن أن تعوّض فيما بعد أبدًا، عند مجيء الموت، عند الرحيل من هذه الحياة، الموت الذي لا يعرف أيٌ منا متى على وجه اليقين وعلى وجه الدقة، والكثير من الناس يتفاجؤون بموعد رحيلهم ونهاية أجلهم وانقضاء مدتهم في هذه الحياة الدينا، وينبهرون ويتحسرون على ما فوّتوه في أعمارهم، وعلى ما خسروه من فرصٍ عظيمة كان يمكن أن تكون مستثمَرةً فيما فيه نجاتهم وفوزهم وفلاحهم، فإذا بهم وقد خسروا حياتهم واتجهوا نحو مستقبل عالم الآخرة الذي لا يمكن فيه أن يعملوا أي عملٍ يعوضون فيه تلك الخسارة.
ثم ينذرنا الله -سبحانه وتعالى- من عذابه الأكبر، ينذرنا من سوء العذاب، من سوء الحساب يوم القيامة، ينذرنا بالساعة ومجيئها بغتة، ينذرنا ويحذرنا من عذابه العظيم، من عذابه في نار جهنم والعياذ بالله.
الأثر الذي يفترض أن نحصل عليه من خلال إصغائنا لله -سبحانه وتعالى- من خلال إيماننا بالنذير، من خلال تيقننا بما أنذرنا الله به -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم، ومن خلال أنبيائه -عليهم الصلاة والسلام- الأثر المطلوب هو: الخوف من الوقوع في عذاب الله، والاتجاه عمليًا فيما فيه نجاتنا وفوزنا وفلاحنا وسعادتنا، فيما فيه السلامة من عذاب الله -سبحانه وتعالى- الأثر المطلوب هو الخوف من الوقوع في عذاب الله والعياذ بالله، من أن يسبب الإنسان لنفسه سخط الله، الأثر المطلوب حالة نفسية من الخشية، من الخوف من عذاب الله، وكذلك التوجه فعليًا وعمليًا نحو مرضاة الله -سبحانه وتعالى- مع الاهتمام بشكلٍ مستمر بالإنابة إلى الله، بالتوبة إلى الله، بالاستغفار والتخلص من الذنوب، مع المبادرة في حالة الزلل والعصيان إلى التخلص بشكلٍ عاجل من ذلك بالتوبة والإنابة، بالتوبة النصوح إلى الله -سبحانه وتعالى- هذا هو الشيء الصحيح، ومع ذلك، وبناءً على ذلك، الأمل والرجاء في رحمة الله -سبحانه وتعالى-.
الفرق بين الرجاء والأماني
هنا موقع الرجاء، مع التوبة، مع الإنابة، مع العمل الصالح، مع الاستجابة لله -سبحانه وتعالى- فنرجوا رحمة الله، نرجوا مغفرة الله ، نعلق الأمل على عفوه وفضله وكرمه، أما أن يكون الإنسان مستهترًا عاصيًا، متعنتًا على الله -سبحانه وتعالى- رافضًا لتوجيهاته وأوامره، ومتجهًا في هذه الحياة بناءً على أهواء نفسه، ومتبعًا لشهوات نفسه ورغبات نفسه وانفعالاته ومشاعره، لا يتجه إلى أن يضبط نفسه، لا يُنيب، لا يتوب، لا يرجع، ثم يأتي ليقول: [الله غفور رحيم، الله يغفر الذنوب جميعًا، وهناك الشفاعة وهناك كذا، وهناك كذا…]، فهو مخطئٌ وخاطئ.
هناك فرق كبير جدا ما بين الرجاء وما بين الأماني، الرجاء مع العمل، مع الإقبال إلى الله -سبحانه وتعالى- طبعًا العمل الصالح، وكذلك الرجاء مع الخوف، يرتبط به جانبٌ آخر، وجهه الآخر هو الخوف، وبالتالي كذلك إقبال إلى الله بالإنابة، بالتوبة المتجددة والمستمرة، بالاستغفار المستمر، أن تكون التوبة والاستغفار، والتخلص من الذنوب، والمراجعة للواقع، والتقييم لحال الإنسان، والنظر في فعله وتصرفه؛ ليتدارك نفسه، هذه مسألة يجب أن تكون أساسية ضمن برنامج حياته، ضمن اهتماماته المستمرة، أن يكون الإنسان توابًا وأوابًا ومنيبًا وراجعًا دائما إلى الله -سبحانه وتعالى- راجعًا بالتوبة، راجعًا بالإنابة راجعًا بالاستغفار، متداركًا لزلـله لخطئه، الإنسان لا يسلم في كثيرٍ من حالاته من الزلل هنا أو هناك، قد يخطئ أحيانًا في تصرف، قد يخطئ في كلام، قد يتجاوز في فعل، قد يحصل منه هذا أو ذاك، ولكن الإنسان المؤمن هو منيب، هو يسعى بشكلٍ كبير أن ينتبه لنفسه من الوقوع في المعاصي، يأخذ بأسباب التوفيق وأسباب الخير وأسباب الوقاية من الوقوع في المزالق، فإذا وقع، إذا انزلق، إذا زل، يبادر بالرجوع إلى الله -سبحانه وتعالى- يقيّم واقع نفسه بشكلٍ مستمر، يتدارك نفسه، يخلص نفسه، حالة مستمرة هو فيها، وهو عليها إلى أن يلقى الله -سبحانه وتعالى-.
هذا هو الرجاء، رجاءٌ مع العمل الصالح، مع التوبة، مع الإنابة، مع الرجوع المستمر، مع التدارك المستمر، مع الدعاء، مع التضرع، مع الالتجاء إلى الله -سبحانه وتعالى- مع طلب التوفيق من الله -سبحانه وتعالى- أما أن يمني الإنسان نفسه، لا عمل صالح، لا توبة، لا رجوع إلى الله، لا إنابة صادقة، لا تدارك للنفس وللأخطاء وللزلل وللمعاصي، حالة من العبث والاستهتار والتهاون، وانعدام لحالة الخوف من عذاب الله -سبحانه وتعالى- واللامبالاة، ثم يأتي يقول [|لا|، أنا منتمي للإسلام، وسأدخل الجنة بانتمائي للإسلام]،
بمجرد هذا الانتماء الزائف الذي لم يبتنِ عليه إيمان، ولا عمل صالح، ولا طاعة لله، ولا استقامة، ولا تورع عن معاصي الله -سبحانه وتعالى- هذا النوع ممن يرى في الانتماء للإسلام بطاقة ترخيص للجريمة والمعصية والفساد والظلم والعبث والاستهتار والانفلات في هذه الحياة والإتباع للشيطان. |لا|، الإسلام أقدس، أسمى، أعظم، أشرف من أن يكون بطاقة ترخيص للجريمة، وللذنب، والمعصية، والاستهتار، والعبث، والهوى، والظلم، والانقياد وراء الشهوات، والإصرار على المعصية، ثم يدخل الجنة بهذه البطاقة. |لا|، الإسلام أعظم، هذا شيءٌ ليس سوى أماني، هي الأماني التي قال الله عنها: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} [النساء: الآية123]، أما مع العمل الصالح، والتوبة، والإنابة، والتدارك، والاستغفار، والمراجعة للواقع، والانتباه، والتراجع عن الأخطاء والزلل، والانتباه للنفس؛ فهنا الرجاء، أن ترجو رحمة، وأن تأمل في الشفاعة، وأن تتجه بآمالك ورجائك بأن الله -سبحانه وتعالى- سيتداركك، وسيعفو عنك، ويغفر لك، هذا هو الموقع الصحيح للرجاء.
فالخوف أولًا، الخوف من الوقوع في عذاب الله، هذه حالة إيمانية لازمة، ما من مؤمنٍ حقًا إلا وهو يخاف من الوقوع في عذاب الله، ويمثل هذا الخوف حالة زاجرة وحالة تساعده على الاستقامة والانتباه، الله -سبحانه وتعالى- يخاطب نبيه الكريم سيد الرسل، خاتم الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- يقول له: {قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام: الآية15]، إني أخاف، أخاف من المعصية؛ لأن وراءها العذاب، لأن نتيجتها العذاب، يقول الله عن أنبيائه وعن ملائكته: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} [الإسراء: الآية57]، يقول الله -سبحانه وتعالى- عن عباده المؤمنين: {يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: من الآية37]، فهم يحسبون حساب هذا اليوم العظيم.
الرجاء وموقعه الصحيح
ثم يحكي لنا عن الرجاء كذلك، أين موقعه {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب: الآية21]، من كان يرجو الله هذا سبيله، هذا مسار حياته، التأسي والاقتداء برسول الله -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- أصحاب الرجاء، الصادقون في رجائهم أسوتهم وقدوتهم رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- وهل هو أسوة إلا في العمل الصالح، في الطاعة لله -سبحانه وتعالى- في الرجاء لله -سبحانه وتعالى- في التوجه الجاد نحو العمل، العمل الصالح، العمل الذي فيه مرضاة الله مع الشعور بالتقصير بشكلٍ دائمٍ ومستمر.
رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- بلغَ الغاية العليا والدرجة العليا في طاعته لله، في عبوديته لله، في إقباله إلى الله، بلغ كمال الإيمان في عمله، في روحيته، في أدائه، في توجهه نحو الله، ومع بلوغه هذه الدرجة، هذه المنزلة الرفيعة والعالية هو الذي يأمره الله بالاستغفار، ويقول له: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد: الآية19]، يأمره بالاستغفار يقول له: { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 1-3]، ليست المسألة أنه يقول له: [خلاص يعني فأنت حققت هذا النجاح العظيم الذي كان بجهود كبيرة، وتضحيات عظيمة، وعمل دؤوب وكبير وعظيم وصالح، وجهود متعددة شملت كل جوانب الحياة: من القتال، إلى الإنفاق، إلى العمل بكل الوسائل المشروعة، فخلاص أنت لم تعد بحاجة إلى أن تذكر الله، ولا تستغفره، ولا تشكره، ولا تتجه إليه بالتوبة] بل يقول له: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} استغفر، هذه روحية الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- إنابة إلى الله، عمل صالح مع الشعور بالتقصير، مع طلب الرحمة، مع التعويل على رحمة الله -سبحانه وتعالى- ولكن مع العمل، مع الإنابة، مع الرجوع، مع التوبة، مع الاستغفار، مع التوجه الدائم إلى الله -سبحانه وتعالى-.
يقول الله -سبحانه وتعالى- أيضًا في كتابه الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: الآية218]، أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ: هذا هو الرجاء، وليست الأماني، هذا هو الرجاء: جهاد، عمل، هجرة، عطاء ورجاء، رجاء وتعويل على عفو الله، على رحمته، على كرمه، على مغفرته، يقول -جلَّ شأنه-: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف: من الآية110]، ليست المسألة من كان يرجو الله، يرجو رحمته، يرجوا لقاءه؛ فليعبث، وليستهتر، وليسترسل في المعاصي، وليبتعد عن خط الله، عن نهج الله، عن طاعة الله، وليتبع أهواء نفسه وشهوات نفسه ورغبات نفسه، وليصرّ على المعاصي، ولا يُنيب، ولا يتوب، ولا يرجع. |لا|، ليست المسألة هكذا أبدًا.
النظرة التبريرية استهتار وعبث
هناك من يأتي بنظرة خاطئة، نظرة تبريرية للتهاون والتهتك بالمعاصي والاسترسال فيها، والإصرار عليها، والابتعاد عن التوبة والإنابة، يقول لك: [|لا|، الله غفور رحيم، إن الله يغفر الذنوب جميعًا، يأتي ليقتطع هذا النص القرآني عن سياقه فيما قبله وفيما بعده، فيصنع صنيع من أتى ليقرأ قول الله تعالى: { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} [الماعون: الآية4]، وخلاص، ولا يكمل ما بقي بعد هذا النص، يقول: [|لا|، الصلاة هي الخطيرة { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ}]، لم يقرأ ما بعدها {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: الآية5] لم يقرأ ما بعد قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً}، كيف هي الآية؟ {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ} [الزمر: الآية53] نداء الرحمة من الله -سبحانه وتعالى- نداء الحنان والخير والخلاص للبشر، ينادي عباده الذين أسرفوا على أنفسهم، بماذا؟ بالمعاصي، بالذنوب، بالأخطاء، بالزلل، هل هو يأتي يناديهم هنا ليشجعهم على المزيد وعلى الاستمرار وعلى الاسترسال أكثر، فيقول استمروا؟! هذه المسألة تتنافى مع حكمة الله، مع قدسية الله، هو قدوس، ليس داعيًا إلى الذنب والمعصية ومحرضًا عليها. |لا|، {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} هو يناديهم إلى رحمته، والنداء إلى الرحمة معروفٌ في القرآن الكريم سيأتي، سيرسم لهم طريق الخلاص، لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ:
لا تقنطوا منها، لا تيأسوا من رحمة الله، هذا معنى القنوط (اليأس، وانعدام الأمل)، فتستمر مصرًا على المعصية، تقول: [ما عاد عندي فرصة ارجع، خلاص أنا قد وصلت إلى درجة من المعاصي والذنوب والإسراف على نفسي يمكن ما تُقبل مني التوبة]، {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بلى قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا واستكبرت} [الزمر: 53-59].
فالنداء الإلهي في هذه الآيات نداءٌ واضح، نداءٌ بالرجوع، دعوةٌ إلى الرجوع إلى الله، إلى الأخذ بأسباب الرحمة بالإنابة إلى الله، {وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ}، بالإنابة والإسلام والإتباع لأحسن ما أنزله من هديٍ، هذه هي طريق النجاة، هذه هي طريق العمل الصالح، هي الطريق المفيدة.
أما أن يأتي الإنسان عابثًا مستهترًا، يقول لك: [|لا|، انتمائي للإسلام يكفي، الله غفور رحيم]، أو هناك شفاعة، أمّل في الشفاعة وارجو رحمة الله -سبحانه وتعالى- إذا كنت تسير في هذا الاتجاه الإيجابي في الحياة: عمل صالح، إيمان، تقوى، تضرع، دعاء، استغفار، تدارك للنفس، خروج من حالة الإصرار {وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: من الآية135]، هذا هو الاتجاه الصحيح الذي يفيد؛ لأن المسألة هامة، المسألة حساسة، لا يجوز للإنسان ولا ينبغي له أن يخدع نفسه بالأمانيّ، بالغرور، هذه قضية خطيرة،
الله حكى عن المنافقين في سورة الحديد عن وضعهم يوم القيامة: ما هم فيه من الحسرة، ما هم فيه من الندم، ما هم فيه من محاولة الخروج من تلك الوضعية الرهيبة وهم يسعون للحاق وراء المؤمنين، فيدفعون ويمنعون، ويأمرون بالرجوع: {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً} [الحديد: من الآية13]، يطردون طردًا، ويمنعون منعًا، حينها يتوجهون بنداءاتهم إلى المؤمنين: {أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ}، كنا في الدنيا ننتسب معكم إلى الإسلام، كنا نمارس تلك المشاعر: نصلي أحيانًا، نصوم، نؤدي بعض الفرائض، نعيش كمجتمع واحد، كأمةٍ واحدة ذات انتماءٍ واحد، {أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ} [الحديد: من الآية14]، هنا المشكلة {وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ}، البعض تغره الأماني، ينخدع بها، يمني نفسه في أعماله، في خياراته، في مواقفه، في اتجاهاته في هذه الحياة، يسهل لنفسه ويخدع نفسه بذلك.
النذير الإلهي بفوات الفرصة في هذه الحياة بمجيء الموت والرحيل منها، النذير بالعقوبات العاجلة في الدنيا، النذير بالساعة والقيامة والحساب والجزاء نذيرٌ مهم، وجانبٌ أساسيٌ من إيمان الإنسان به.
من نعم الله تهيئة الأرض للإنسان
هذه الحياة التي هيأها الله لنا، وهذه الأرض التي وفر الله لنا عليها كل ما نحتاجه من ضروريات هذه الحياة وأسباب هذه الحياة، أمّن الحياة على الأرض بكل لوازمها في بيئة الأرض نفسها، كوكب يختلف عن بقية الكواكب في منظومتنا الشمسية، الأرض تختلف عن الزهرة، تختلف عن- كذلك– عن عطارد، تختلف عن كثيرٍ من الكواكب الأخرى: الصخرية منها، والغازية منها، تختلف، تلك قاحلة، بيئاتها مختلفة، درجة الحرارة عليها مختلفة، لا وجود فيها لكل لوازم الحياة: من ماء، من أكسجين، من نباتات… من غير ذلك. حركة الليل والنهار فيها، ودورة الليل والنهار فيها مختلفة، أما على الأرض فقد أمّن الله لنا على الأرض ما نحتاج إليها في حياتنا، الماء الذي جعل الله منه الحياة {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: من الآية30]، غطى أكبر مساحة على هذه الأرض بالمياه، ما يقارب الثلثين على الأرض بالمياه: البحار والمحيطات، حركة الأمطار، الينابيع والأنهار، المياه الجوفية والمخزنة في هذه الأرض، بما يؤمن لهذا الإنسان واحدًا من أهم أسباب الحياة، وهو الماء الذي يعتمد عليه بشكل كبير جدًّا في حياته، يعتمد عليه كشرب، يعتمد عليه في النظافة، يعتمد عليه في النبات والأشجار التي يعتمد عليها في غذائه، يعتمد عليه في أشياء كثيرة جدًّا في واقع حياته، يستفيد من هذه المياه من بخارها المتصاعد منها والذي يعود بشكل أمطار، ويستفيد منه أيضًا لتلطيف الجو والبيئة، يستفيد فوائد كثيرة، ليس المقام مقام حصر وعد لها، هذه المياه غير موجودة في بقية الكواكب.
أمّن الله له أيضًا الأكسجين الذي يتنفسه، والذي لو انقطع عنه برهة قليلًا ويسيرًا من الوقت يختنق ويموت، هذا الأكسجين غير متوفر هناك، لو يطلع الإنسان المريخ، أو يذهب إلى عطارد، أو إلى الزهرة، أو هنا… |لا|، أمامه غازات أخرى قاتلة، أمامك هناك أكسيد الكربون وغازات أخرى قاتلة، تتنفسها تموت فورًا، ليس أمامك هناك ما تعيش عليها، ما يمدك بالحياة.
هيأ الله للإنسان في الأرض، وأمده في الأرض، وأعد له في الأرض ما يحفظ له حياته، ما يؤمن له حياته. درجة الحرارة في بعض الكواكب، في المنظومة الشمسية نفسها درجة الحرارة فيها قاتلة، وبالمقدار الذي يمكن أن يحترق الإنسان فيه فورًا، لو دخل إليها أن يحترق بشكل سريع وينتهي، والبعض منها متجمدة من شدة البرودة، يمكن أن يتحول الإنسان فيها فورًا إلى قطعة من الثلج، يتجمد بشكلٍ سريع وعاجل.
أما على الأرض، |لا|، درجة الحرارة، حركة الليل والنهار، الأرض في ما بسطها الله فيه وهيأها لهُ في قشرتها الأرضية، في طبيعتها، وما أعد فيها، كل شيءٌ فيها هُيئ وصمم وأُعد ليناسب حياة هذه الإنسان، وليلائم ظروف هذا الإنسان، وليتضمن خدمة لهذا الإنسان ومنفعة حقيقية لهذا الإنسان بشكل أو بآخر، الأرض في خلقها وتكوينها وما عليها، وفي بحارها وأنهارها وأشجارها وكل ما فيها، ثم علاقتها بالكون من حولها، علاقتها بالشمس، المسافة ما بينها وبين الشمس، ما يصل إليها من هذه الشمس، غلافها الجوي، من كل الجوانب حُسب حساب ما يفيد هذا الإنسان، وما يضمن حياته، وما يساعده في حياته، وما يناسبه بتدبير إلهي واسع ورعاية إلهية عجيبة وشاملة.
أُمّن لهذا الإنسان في الأرض نفسها في تربتها ما يتناسب مع كثيرٍ من النباتات أن تكون خصبة، وأن تنبت فيها أنواع عديدة، الآلاف من أصناف النباتات المتنوعة، أعداد كبيرة منها لغذاء الإنسان، أعداد كبيرة منها لعلاج الإنسان، للطب، للدواء، أعداد كبيرة منها يستفيد منها الإنسان في روائحها العطرية، نباتات: مثل الورود، مثل كثيرٍ من الأزهار، كثيرٍ من النباتات العطرية التي يستفيد من شمها ورائحتها الفواحة والعطرة، التي تنتعش منها نفسه وروحه، ويبتهج بها، كثيرٌ منها مناظر بَهِجة، وتضم مع ذلك أغراضًا وفوائد طبية، أو في مذاقها، أو في غذائها، أو في فوائدها المتنوعة والمتعددة، وأشياء كثيرة لا حصر لها ولا عد.
ضرورة استشعار قرب لقاء الله
هذه الأرض وما عليها، هذه الأرض التي هي مهد البشرية وحياتها ومستقرها إلى حين، كما قال الله في القرآن الكريم: {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} إلى وقتٍ معين. ينتهي كل ما عليها، الإنسان إما أن يدرك هو القيامة، وإما أن يموت قبل يوم القيامة، ومن مات قامت قيامته، الإنسان الذي يتوفاه الله -سبحانه وتعالى- اللحظة التي يأتيه فيها الموت يدرك كأن الحياة لم تكن إلا فترة قصيرة جدًّا، يستقصر حياته التي قد مضت وانقضت، ويتحسر عليها، والإنسان منذ مماته إلى قيام الساعة، ثم حين قيام الساعة يرى في الفترة التي أمضاها- ما بين وفاته وقيام الساعة- وكأنها لم تكن إلا فترة قصيرة جدًّا من الوقت، الكثير من الناس يوم القيامة- حين تأتي القيامة- يتخيلون أن الفترة التي أمضوها منذ مماتهم ووافتهم إلى قيام الساعة لا تقدر عند البعض منهم إلا بمقدار ساعة واحدة، والبعض قد يقدرونها بيوم، والذي يكثر في العدد ويكثر في الأيام يقدرها بعشرة أيام، البعض منهم يقول: [عشرة أيام منذ مماتنا إلى قيام الساعة]، وهذه الحالة ذكرها الله في القرآن الكريم، قال -جلَّ شأنه-: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الروم55-56].
يقول -جلَّ شأنه-: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: الآية46]، المقصود هنا أن حالة الاستبعاد لدى الإنسان، والنظرة إلى مسألة القيامة والآخرة والموت وكأنها أمور هناك بعيدة جدًّا، حالة خطيرة على الإنسان. الشيء الصحيح أن يكون الإنسان مستشعرًا قرب لقاء الله -سبحانه وتعالى- ومتوقعًا- سواء فيما يتعلق بالموت، أو قيام القيامة- متوقعًا لقرب ذلك، هذه هي الحالة الإيمانية، هذه هي الحالة السليمة التي تفيد الإنسان، تدفعه إلى العمل الصالح، تدفعه إلى التوبة، إلى الإنابة، إلى التخلص من الذنوب والمعاصي، إلى عدم الإصرار عليها، تدفعه إلى الانتباه، وأن يكون يقظًا، وأن يدرك المسئولية، وأن ويدرك خطورة الإهمال والتفريط والتهاون والمعصية والتقصير، هذه مسألة مهمة جدًّا، الله أثنى في القرآن الكريم على هذه الفئة التي تستشعر قرب لقاء الله {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: الآية46]، هؤلاء هم من يكونون على درجة عالية من الانتباه والاهتمام.
اقتربت الساعة
الحالة فيما يتعلق بقرب القيامة، من الأشياء المهمة لنا، سيما نحن أمة محمد التي هي آخر الأمم، ختام النبوة برسول الله محمد -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- الذي هو خاتم النبيين، يعني: بشكلٍ مباشر قرب قيام الساعة، يعني: أننا في حقبة ما يسمى بنهاية التاريخ، آخر مراحل البشرية في الوجود على هذه الأرض، وأن أمر القيامة أمرٌ قريب، وهذا ما أكّد عليه القرآن الكريم في قول الله -سبحانه وتعالى-: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} [محمد: الآية18]، (فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا): بدأت علاماتها وعلامات قربها، علامات قرب نهاية هذا العالم، مجيء الرسول محمد -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- كآخر الأنبياء وخاتم الأنبياء هو يقدم هذه الدلالة المهمة.
يقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: الآية1]، هذا قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام، (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ): باتت قريبة، باتت الآخرة قريبة، باتت نهاية هذا العالم وهذا الكون وهذا الوجود ومجيء الآخرة بات أمرًا قريبًا. قال -جلَّ شأنه-: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً} [المعارج6-7]، (إِنَّهُمْ): أي الكافرين، (يَرَوْنَهُ): مجيء يوم القيامة والعذاب والحساب والسؤال والجزاء (بَعِيداً): يستبعدونه، (وَنَرَاهُ قَرِيباً): قريب المجيء ومؤكد الوقوع، فالقرآن الكريم أكد في كثيرٍ من الآيات على قرب قيام الساعة، ويفترض أن يكون لهذا أثره فينا، بالنسبة لنا كمسلمين نؤمن بكتابه -سبحانه وتعالى- فندرك أهمية هذه المسألة، لاسيما والساعة ستأتي بغتة، وبشكلٍ مفاجئ، وفي غير الوقت المتوقع، خارجًا عن التوقعات والحسابات، تأتي في الوقت التي لا يتوقع الكثير- أو معظم البشرية- أنها آتية، بل لربما في وقت تكون الحسابات بالنسبة في علم الفلك، وبالنسبة في علم الجيولوجيا، وبالنسبة للذين يرقبون وضع هذا العالم في حركة كواكبه ونجومه، وحركة الشمس، والقمر، والأرض، والمجرات… وما إلى ذلك. أنه لا توجد أي مؤشرات على اقتراب قيام القيامة، يرون- مثلًا- أن الحالة التي عليها وضع الشمس، أو وضع القمر، أو وضع الكواكب والنجوم، وحركة المجرات، وحركة هذا العالم في واقعها هي، في ذاتها، فيما أعد الله فيها، واختزنت بما أعطاها الله وما جعل فيها من طاقة، من ترتيبات، من قدرات، من إمكانات، من… كل ذلك يساعد على استمراريتها لملايين السنيين، وأحيانًا في بعض التقديرات لبلايين السنين، يقول لك: [هذه الشمس هي الآن في منتصف عمرها- في بعض التقديرات- ولازال بالإمكان أن تتعمر فيما أعدت له في خلقها، وتكوينها، وطاقتها، لزمن طويل إضافي حتى تنتهي بشكل تلقائي].
كيف ستأتي القيامة؟!
القرآن يؤكد أن مجيء القيامة سيكون بغتة وفجأة، ويتفاجأ الناس [كيف أتت الآن! كنا لانزال نتوقع أنها لا تأتِي إلا فيما بعد]، يقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا}، (أَيَّانَ مُرْسَاهَا): تساوي عبارة متى ستأتي، متى ستحل، {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} [الأعراف: من الآية187]، (لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً): هنا الشاهد، في الوقت الذي لا تتوقعون مجيئها، فتتفاجئون بها، وعندما تأتي، تأتي بهولها العظيم، الساعة، القيامة، يعني: نهاية هذا العالم، يعني: خراب ودمار كل هذا العالم، ما فيه: من مجرات، من كواكب، من نجوم، ودمار هذه الأرض التي نحن نعيش عليها، وهذا بالتأكيد سيكون، هولًا عظيمًا وحدثًا كبيرًا وهائلًا، هو حدث غير مسبوق، لربما أكبر حدث هو وجود هذا العالم، حينما خلق الله السموات والأرض وأوجد هذا العالم في ستة أيام، حينها كان حدثًا هائلًا جدًّا، لم يأت بعده حدث مثله، ولكن عندما تأتي القيامة هي الحدث الآخر الذي قد يوازي أو يكون أكبر من ذلك الحدث في شكله، في منظره، فيما فيه من حركة، من دمار، من أمور عظيمة جدًّا تفوق خيال الإنسان، وتصور الإنسان، ومدارك الإنسان.
كيف ستأتي القيامة، وكيف ستأتي الساعة التي هي دمار وخراب كل هذا العالم في: شمسه، وقمره، ونجومه، ومجراته، وكواكبه، ودمار هذه الأرض بشكلٍ نهائي؟ الله -سبحانه وتعالى- تحدث حديثًا واسعًا في القرآن الكريم، من ضمنه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1-2].
نترك الحديث للتفاصيل هذه- إن شاء الله- إلى المحاضرة القادمة.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا وإياكم لما فيه رضاه عنا، أن يجعلنا من عباده المتقين، أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال، أن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرج عن أسرانا، أن ينصرنا بنصره، وأن يثبت المجاهدين ويؤيدهم بتأييده إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛