المحاضرة الرمضانية التاسعة عشر للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 24 رمضان 1439هـ
في ظلال سورة (المؤمنون)
المواصفات الإيمانية (2)
أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبده ورسوله خاتم النبيين.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات:
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
نواصل الحديث على ضوء الآيات المباركة الواردة في سورة (المؤمنون)، والتي عرض فيها القرآن الكريم الصفات الأساسية الملازمة للإيمان، والتي يتصف بها المؤمنون، والإنسان المسلم معنيٌ بالسعي لأن تتحقق في واقع حياته ومسيرة حياته هذه الصفات الملازمة للإيمان، في سعيه لتحقق الإيمان في واقعه، وللالتزام بالإيمان في مسيرة حياته، لا بدَّ أن يركِّز على كل ما يعزز هذا الإيمان ويقوي هذا الإيمان، بدءًا من إيمانه بالله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- في معرفته بالله، في خوفه من الله، بالتالي في محبته لله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- في حيائه من الله، في استشعاره لعظمة الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- في التزامه بطبيعة علاقته مع الله باعتباره عبدًا لله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- يعمل ويتحرك في هذه الحياة بمقتضى هذه العبودية.
ثم كذلك بإيمانه باليوم الآخر والحساب والجزاء، الجزاء في الدنيا، والجزاء في الآخرة، بما يساعده على الانضباط والالتزام، والمسألة- في نهاية المطاف- كلها تعود لمصلحته، لخيره، لفلاحه، لفوزه، لسعادته في الدنيا والآخرة، {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: الآية1]، ويأتي الحديث بهذا العنوان الرئيسي (الفلاح): فالفوز بالخير، والضمان للمستقبل، والسعادة الممتدة من الدنيا إلى الآخرة هي من نصيب المؤمنون بما كانوا عليه، بما التزموا به.
{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 2-7]، ولا يزال الحديث فيما يتعلق بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}، كنا أشرنا في المحاضرة السابقة إلى أهمية الضوابط الشرعية، وأن الالتزام بها يساعد الإنسان على التقوى، على العفة، على الطهارة، على صون نفسه، وعلى صون كرامته، وعلى صون شرفه وعرضه، والمسألة فيها اعتبارات متعددة تساعد الإنسان- في نهاية المطاف- على تحقيق ذلك، على أن يحفظ نفسه، أن يحفظ شرفه، أن يصون نفسه بحفظ الله، بمعونة الله، بتوفيق الله:
أولها- كما قلنا- تعزيز الحالة الإيمانية، الاستشعار لرقابة الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- الخوف من الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- الإيمان بأن الله يعاقب ويجازي ويحاسب، وهذه مسألة مهمة جدًّا، وعامل رئيسي في الاستقامة في كل الأمور، في كل المسائل، الغافل عن الله، الغافل عن وعيد الله، أو ضعيف الإيمان بالجزاء أن الله يجازي في الدنيا والآخرة، قد يتهور، قد يتجرأ على أن ينزلق في تلك المزالق الخطيرة جدًّا، فهذا جانب أساس جدًّا.
المفاسد الأخلاقية تفتك بحياة البشرية
وفعلًا هناك عقوبات حتى في الدنيا، انتشار مرض الإيدز الذي هو من أفتك الأوبئة، يدمِّر حياة البشرية، انتشاره بشكل كبير، أكبر عامل في انتشاره هو انتشار الرذائل، انتشار الفواحش، نتج عنها هذا الوباء الفتَّاك الذي عجزت البشرية عن معالجته، وينتشر بشكل كبير في عموم أنحاء العالم، ولكن أهم وأكبر وسبب لانتشاره هو انتشار الرذائل.
أوبئة أخرى غير الإيدز، أوبئة أخرى لها مسمياتها، لها أنواعها… منها ما يتصل بالأمراض تفتك بالأجهزة التناسلية، منها أمراض تدمِّر صحة الإنسان…الخ.
أضف إلى ذلك المشاكل الاجتماعية الناتجة عن انتشار الفواحش والرذائل، تتفكك الأسر، وهذه قضية خطيرة جدًّا، تدمير المجتمع بتدمير اللبنة الأساسية فيه وهي الأسرة، إذا لم يعد يتأمن نشوء أسرة في جوٍ من الترابط، والمودة، والمحبة، والثقة، والمصداقية، والطهارة، والصلاح… وأصبحت المسألة مسألة ثانية، أُسر يسود علاقتها انعدام الثقة، التوتر، الاستياء، الخيانة، الفجور…الخ. هذه كارثة يعني، كارثة، تنشأ مشاكل اجتماعية في المواليد غير الشرعيين، يحكى – مثلًا– في أمريكا وفي بعض المجتمعات الغربية أن نسبة الأبناء الذين لا ينتمون إلى أسر محددة، وإنما ولدوا بالسفاح، والعُهر، والجريمة، والخيانة، ثم رمُي بهم إلى مؤسسات معينة تهتم بالحضانة، حضانة الأطفال، ثم ينشأ وهو لا ينتمي إلى أسرة، ليس له أب محدد، أصبحت هذه عندهم بنسب مئوية، في بعض المناطق ربع السكان على هذا النحو، بدون آباء، بدون أسر، لا يُحس بأنه ينتمي إلى أسرة، وفي بعض المجتمعات بلغت نسبة 50 %، عندهم في أمريكا في بعض الإحصائيات أن الفتيات اللواتي يحملن من السفاح والجريمة في وقتٍ مبكر- في وقت المراهقة- سنويًا بما يعادل مليون فتاة، وهم يرسلون المنظمات إلينا- هنا في اليمن وفي غير اليمن- ينصحون مجتمعاتنا أن تحذر من الزواج المبكر، وطبعًا هم يريدون من الناس أن يتأخروا جدًّا، وليس أن يتأخروا إلى حد الرشد والنضج والقوة واكتمال الطاقة البدنية والذهنية. |لا|، إنما- مثلًا– يريدون للإنسان أن يتأخر عن سن البلوغ بفترات طويلة، يريدون للإنسان أن يبلغ إلى سن الثلاثين، أو سن الأربعين، أو الخامسة والثلاثين، أو الخامسة والعشرين وهو بعد لم يتزوج، يريدون للفتاة أن تخسر شبابها وهي لم تتزوج بعد، فتدخل في سن الكهولة وهي بعد لم تتزوج، ثم ينشأ عن ذلك مفاسد كبيرة، وعُقد كبيرة، وأضرار كبيرة اجتماعية ونفسية وصحية.
فالمفاسد الأخلاقية لها آثار سلبية على المستوى النفسي: تدنس النفوس، تُذهب منها الإحساس بالكرامة، الشعور بالكرامة، تفقد الناس قيمًا عظيمة ورئيسية، مثل: الحياء، يذهب الحياء، وهو من أهم القيم وأجملها وأرقاها، العفة من أعظم وأشرف القيم، يخسر الناس العفة، يريدون أن تتحول المجتمعات إلى مجتمعات وقحة، منحطة، خسيسة، دنيئة، لا تحمل الشعور بالكرامة، ولا الحياء، ولا العفة، ولا تمتلك الطهارة في سلوكها ومعاملاتها.
بالتالي مجتمعات كهذه: مائعة، تافهة، منحطة، لا اعتبار عندها للقيم، لا احترام عندها للشرف، مجتمعات كهذه يمكنهم أن يتغلبوا عليها، يمكنهم أن يسيطروا عليها، يمكنهم أن يمتهنوها، يمكنهم أن يذلوها، يمكنهم أن يدوسوها بالأحذية، يمكنهم أن يفعلوا بها أي شيء، الإنسان الذي فقد الإحساس بالشرف، والكرامة، والعفة، والطهارة، وكل هذه المعاني العظيمة؛ يصبح إنسانًا منحطًا، تافهًا، دنيئًا، يمكن استعباده وقهره وإذلاله وامتهانه ودوسه بالحذاء، ولا يبالي، ما عاد عنده شيء مهم، ما عد عنده شيء ذو قيمة، شيء له احترام.
أيضًا، مجتمعًا مفككًا، لا روابط بينه، إذا فقد الروابط حتى على مستوى الأسرة، فيصبح مجتمعًا مفككًا، مبعثرًا، غير متماسك، وغير قوي، وتنشأ فيما بينه الكثير والكثير من المشاكل، من العقد، من الكراهية، من البغضاء، من التنافر، من انعدام حالة التعاون والألفة…الخ. يعني: المسألة مقصودة بالنسبة لسعي الغرب لإفساد مجتمعاتنا، مقصودة حتى لأهدافهم الاستعمارية؛ لأن ذلك يسهل لهم ذلك.
فعندما نركِّز على مسألة الجانب الإيماني في الخوف من الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- ترسيخ القيم العظيمة والمهمة، والتشجيع عليها، والتربية عليها، والحث عليها، هذه جوانب مهمة، عندما نعي بشكلٍ جيد المفاسد الرهيبة، والأضرار الكبيرة والكارثية بانتشار الرذائل، والتي منها: أضرار نفسية، وأضرار اجتماعية، وأضرار صحية على مستوى البدن، من يصابون بالإيدز تصبح مشكلة كبيرة جدًّا أمرهم وعلاجهم ووضعهم ووضعية حياتهم.
التزام الضوابط الشرعية ونتائجه الإيجابية
أضف إلى ذلك ما يتعلق بالضوابط الشرعية التي تساعد- أيضًا- على ذلك، على الحفاظ على الإنسان وتصونه، منها: مثلما تقدَّم في الآيات الماضية:
(غض البصر)، الغض من البصر، يعني: ترك النظر إلى المحرمات، لا يجوز أن تشاهد أي مشاهد إباحية، أي مشاهد خليعة، أي مشاهد مثيرة جنسيًا، أي مشاهد تساعد على إغواء النفس، أي مشاهد فاتنة وجذابة للإنسان وميالة بالإنسان إلى تلك الأمور، إلى الحرام، إلى الحرام، يجب أن يتجنبه الإنسان، هذه واحدة {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}، فلا ينظروا النظرة الحرام، النظرة المريبة، نظرة الشهوة، النظرة إلى الحرام، وتحدثنا عن خطورة المشاهد التلفزيونية، مشاهد الفيديو، المشاهد المصورة، سواءً الإباحية منها، أو المغرية منها، أو المؤثِّرة سلبًا على نفسية الإنسان منها، يجب أن يتجنبها الإنسان كليًا.
أضف إلى ذلك {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: من الآية30]، {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: الآية31].
الحذر من التبرج بالنسبة للنساء، التبرج: محاولة إظهار الزينة والمفاتن، والخروج بها أمام الناس في الجو العام، هذه قضية خطيرة جدًّا، محرمة شرعًا، ولا تجوز نهائيًا أن تلبس المرأة، أو أن تتزين، أو أن تُظهر المفاتن على النحو الذي يشد انتباه الآخرين، وتخرج إلى الشارع لتلفت انتباه الآخرين، أو في جو خارج الإطار المسموح به في القرآن الكريم في قوله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ}، يعني الأزواج، {أَوْ آبَائِهِنَّ}، آبائهن واضح، {أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ}، يعني: آباء الأزواج، {أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ}، يعني: النساء المسلمات، {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
أيضًا الحذر من الخلوة، والعلاقات السرية: يدخل ضمن ذلك المراسلات السرية، وما شاكل ذلك، سواءً بالجوالات، أو في مواقع التواصل الاجتماعي، هذا الجو السري خطير جدًّا، ويساعد على أن يتدخل الشيطان بالإغواء، وإثارة الفتنة، وإثارة الرغبات، وصولًا- والعياذ بالله- إلى الجريمة، هذه قضايا كلها تشكِّل خطورة.
الحذر– أيضًا– من الفوضى في الاختلاط، الاختلاط- أيضًا– يؤثِّر على الحياء، أولًا، يكسر الحواجز، وهذه قضية حسَّاسة وخطيرة، مطلوب أن تبقى الحواجز من الحياء، من الحشمة…الخ. فالاختلاط يؤسس- أصلًا– لتدمير مسألة الحياء والحواجز هذه، ويساعد على التعود على البعض، ثم الجرأة، ويؤسس- أحيانًا- لروابط، الاختلاط يؤسس- أحيانًا- لروابط، فالحذر من الفوضى في الاختلاط أيضًا مسألة مطلوبة شرعًا، ولها أهميتها الكبيرة في أن تحفظ المجتمع المسلم، وتصون الإنسان رجلًا أو امرأةً.
من الأشياء المهمة جدًّا في هذا الموضوع: السعي لتيسير الزواج والتعاون في ذلك، هذه مسألة من أهم المسائل على الإطلاق، في بعض المجتمعات تصعَّبت مسألة الزواج جدًّا على الشباب والشابات، وعلى المحتاجين للزواج، يعني: من قد أصبح، حتى لو ما عاده شباب، لو قد هو كبير وهناك حاجة للزواج: إما ما قد تزوج، والا فقد زوجته، استشهدت، توفيت، أي سبب من الأسباب يحتاج فيه إلى الزواج، الزواج في بعض المجتمعات أصبح أمرًا صعبًا جدًّا، مع ظروف الناس المادية الصعبة، مع ارتفاع تكاليف الزواج في كل شيء، في بعض المناطق مسألة المهور مرتفعة جدًّا، وما يلحق بعملية الزواج من تكاليف، إضافة إلى المهر مسألة العرس، المراسيم، كذلك الأشياء الروتينية المعتادة في بعض المناطق من: إجراءات، والتزامات، وتكلُّف في مسألة الحفلات، ووو…الخ. هذه العادة غير حميدة، تصعيب عملية الزواج، وإضافة أعباء كبيرة إليها، والتزامات كثيرة فيها، تجعل منها أمرًا معقدًا، وأمرًا صعبًا، وأمرًا يحتاج إلى أموال كثيرة، هذه مسألة غير سليمة ولا صحيحة أبدًا.
مراسيم الزواج.. النموذج الأسمى
أعظم نموذج يجب أن يحتذي به المجتمع المسلم في مسألة الزواج ومراسيمه وتكاليفه، هو: زواج سيدة نساء العالمين وسيدة نساء المؤمنين، فاطمة الزهراء البتول، بنت رسول الله، -صلى الله عليه وآله وسلم- زواجها من الإمام علي -عليه السلام- من سيد الوصيين وإمام المتقين، كيف كان هذا الزواج، كيف كانت تكاليفه، كيف كانت أعباؤه؟ وهل هناك أحد في هذه الدنيا مثل علي ومثل فاطمة سيتزوج؟ أبدًا.
لو كانت القيمة المادية هي التي تعبِّر عن مكانة الرجل، أو مكانة المرأة، أو عن أهمية الإنسان، فزواج علي من فاطمة هو أمر لا تقوم به الدنيا بكلها، يعني: الدنيا بكلها ما من كانت مهرًا لفاطمة الزهراء، لو أن القيمة في الجانب المادي، يجي الإمام علي با يمهرها بالأرض، إن فاطمة الزهراء أغلى من الأرض بكلها، كان المهر بنسبة متواضعة من المال، غير مرهق جدًّا، وكانت التكاليف متيسِّرة جدًّا، وكانت التجهيزات في بيتهما، التجهيزات- أصلًا– لا يستطيع أحد أن يعملها، ليس لمستوى كلفتها، بل لتواضعها، يعني: من هو الذي يستطيع أن ينضبط ويلتزم ما يكون واقع حياته وتجهيزات حياته إلا بذلك المستوى المتواضع جدًّا من الإمكانات، واقرؤوا كيف كانت التكاليف، ما الذي قام الإمام علي -عليه السلام- بإعداده في منزله من تجهيزات! ما أحد في هذه الدنيا- ربما- إلا ويمتلك تجهيزات أكبر من تلك التجهيزات التي توفَّرت للإمام علي -عليه السلام- حين عرس بالزهراء -عليها السلام-.
السعي لتيسير عملية الزواج مسؤولية الجميع
فمن المطلوب جدًّا السعي، وهذه مسألة يجب أن يتعاون فيها الجميع: الجانب الرسمي، الجانب الشعبي، العلماء، الوجاهات، عقال الحارات بالنسبة للمدن، والوجاهات معهم، النخب… الجميع، ويترافق معها عمليات توعية قوية في الساحة، والتزامات يتفق عليها بشكل منظم، تضبط هذه المسألة، وتساعد على تيسير عملية الزواج، الكثير من الشباب والشابات حينما يتحصنون بالزواج يساعدهم هذا على العفة، على الطهارة، يصون هذا المجتمع، يحفظه ويحافظ عليه.
أيضًا التعاون مع الفقراء، التعاون مع الفقراء من المؤسرين، من أبناء المجتمع كافة، أن تكون هذه عادة، يحاول الناس التعود عليها؛ لأنها من فعل الخير، ولأنها من التعاون على البر والتقوى، من التعاون على التقوى، في الحارة أو في القرية إذا هناك أحد يسعى لأن يتزوج وهو فقير يسعى الناس إلى أن يعينوه كلٌ من عنده، وتسعى وجاهات الخير من: علماء، شخصيات مؤثِّرة في المجتمع، ناس صالحين في المجتمع، وجاهات قبلية، أو بأي شكل، نخب، من له كلمة مسموعة يمكنه التأثير في الناس، يسعى، (الدَّال عَلَى الخَيرِ كَفَاعِلِه) كما ورد في الأثر، يشجع الناس [يا جماعة، فلان بحاجة للتعاون معه، يريد أن يتزوج، علينا أن نتعاون معه، أن نعينه]، هذا من التعاون على البر والتقوى، والله أمرنا، قال في كتابه الكريم: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: من الآية2]، التعاون معهم.
الجهات التي هي جهات مؤسسية تهتم بالمنتسبين إليها بقدر ما تستطيع، وتصبح هذه عادة يهتم بها الجميع؛ لأنها من فعل الخير، المهم والمفيد والنافع التعاون مع المحتاجين للزواج، الله يقول: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ} [النور: الآية32] (الْأَيَامَى) يعني: غير المزوجين، وينطبق هذا على النساء وعلى الرجال {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، (إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ): لا تقول: [أنا لا أريد أن أزوجه حتى أطمئن على مستقبله، أيش قد معك من وظيفة حتى أزوجك، ولا إيش قد معك من تجارة حتى أزوجك]، حتى لو كان فقيرًا، هذا وعد إلهي {يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} (يُغنِهُمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ)، والكثير من الناس تزوجوا وهم بعد في حالة لم يؤمِّنوا- كما يقال- مستقبلهم، من ثم تأمَّن مستقبلهم بالزواج، والعجيب العجيب أن البعض من الناس الذين يقدِّمون شروطًا طويلةً عريضة، وفيها: [ما هو مستقبلك، ما هي وظيفتك، ما هي ثروتك…]، هم بأنفسهم ممن تزوجوا وهم في وضع طبيعي: إما فقراء، أو هم- كما يقال- لم يؤمِّنوا بعد المستقبل، لا كانوا في وظائف، ولا كان بأيديهم تجارة، وكانوا يسعون في هذه الحياة سعيهم، ويسَّر الله أمرهم، ثم عندما أصبح لديه بنت فإذا به يتشرط: [أيش عملك؟ أيش وظيفتك؟ كم دخلك؟ أيش مستوى ما تملك؟ أيش…]، مع أن البعض- مثلًا– من لا يركِّزون إلا على هذا الجانب قد يزوج ابنته من ثريٍ يمتلك المال، لكن لا يمتلك الأخلاق، لا يمتلك المحبة والحنان والعطف، لا يمتلك القيم، لا يمتلك… فيظلم ابنته تلك.
من يجعلون بناتهم وسيلة لجمع الثروة!!
البعض- أيضًا- يجعلون من بناتهم وسيلة لجمع الثروة، أما هذه فجريمة فظيعة جدًّا، وعمل غير إنساني، ولا أخلاقي، ولا شرعي، يعني: يريد في ابنته مبلغًا طائلًا له هو، حتى يستفيد منه، وهو ينتظر من يأتي ليدفع هذا المبلغ الطائل من المال ليعطي ابنته له، هذا بيع وشراء يعني ما عاده تزويج! هذه جريمة، الأب الذي هو على هذا النحو فَقَدَ معنى الأبوَّة، فَقَدَ حنان الأبوَّة، فَقَدَ المشاعر الأبوية الصادقة تجاه ابنته، يرى فيها- مثل بقية ممتلكاته- قطعة معينة يبيعها لمن يدفع له أكثر، هذه مسألة سيئة للغاية، سيئة جدًّا، ولكم نتج عنها من مظالم كبيرة جدًّا، مظالم رهيبة جدًّا، والقصص موجودة في المجتمعات: أن فلانة وصل بها اليأس والقهر والتعذيب إلى درجة أن تنتحر، وفلانة وصل بها الحال إلى درجة أن كذا، وفلانة عاشت كل حياتها معذَّبة مع زوجٍ يظلمها ولا تحبه، وهو يضطهدها، وزوِّجت به لماذا؟ لأنه دفع فيها مالًا كثيرًا لأبيها، أو لأخيها، هذا ظلم كبير جدًّا، ومأساة بكل ما تعنيه الكلمة.
وما أسوأ الإنسان إذا فَقَدَ معاني الحنان والعاطفة الأبوية، أو الأخوية، إلى درجة أن يظلم ابنته، أو يظلم أخته، يصبح إنسانًا متوحشًا، ما أسوأ الطمع والجشع والحرص، كيف يُذهب من الإنسان إنسانيته، حنانه، عواطفه، مشاعره الإنسانية وإحساسه الإنساني، كيف يجعل الإنسان متوحشًا، حتى على أقرب القريبين منه، حتى على ابنته، حتى على أخته، هذه مسألة خطيرة جدًّا، وأتت آفات وكوارث ومصائب بسبب الطمع والهلع والجشع، وهذا الأسلوب في التعاطي مع البنت، أو الأخت، عندما أتت- في في السنوات الماضية- أتت مشكلة الزواج السياحي، من كان ينتظر السيَّاح الخليجيين في بعض المحافظات أو المدن، ينتظر السيَّاح الخليجيين، أو من بعض البلدان الثرية، فإذا أتوا زوج ابنته من سائح بمبلغ معين، ثم يتركها ذلك السائح، هي مسألة أيام يمضيها في رحلته السياحية، ويرمي بها في سلة المهملات، ويغادر، ويتركها معذَّبة، وهذه جريمة، وجناية، وظلم من أسوأ أشكال الظلم، من أسوأ أشكال الظلم، الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- أوصانا بالنساء خيرًا، الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وصَّانا في كتابه الكريم، سورة كاملة في القرآن من أطول وأكبر سور القرآن وأعظمها اسمها سورة النساء، أولها أمر بتقوى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: من الآية1]، اتقوا الله، {وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ}، (وَالأَرْحَامَ)، لا تظلم بنتك، لا تظلم أختك، لا تحولها إلى سلعة تبيعها بثمن، تنتظر من يدفع فيها أكثر، هذه جريمة وخيانة للمسئولية.
فإذًا، العمل على تيسير الزواج، والتعاون فيه مما يساعد على تحصين المجتمع المسلم {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ} يقول الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- نكتفي بهذا المقدار في هذه المسألة، وننتقل إلى الآية الأخرى.
الأمانة.. الصفة الإيمانية الجذابة
يقول الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- في مواصفات عباده المؤمنين: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: الآية8]، وأيضًا هذه الصفة من الصفات الإيمانية والإنسانية والجذَّابة في واقع الحياة: الأمانة، ثم الأمانة، ثم الأمانة، أن يرعى الإنسان أمانته، هذا يشمل أمورًا كثيرة:
أولًا: ما تؤتمن عليه من ودائع، الإنسان وضع عندك وديعةً له ائتمنك عليها، سواءً كانت بشكل وديعة، أو بأي شكل، كل ما تؤتمن عليه من أشياء مادية- مثلًا– سلِّمت إليك: مال، أغراض، أي شيء، وأصبح عندك أمانة، بأي شكلٍ من الأشكال وديعة أو غير وديعة، فترعى هذه الأمانة، لا تخن في تلك الأمانة، لا تحاول أن تسرق منها شيئًا، أو أن تُخفي منها شيئًا، أو أن تضيع منها شيئًا، أو أن تتعمد التفريط فيها، فرعاية الأمانة مسألة مهمة جدًّا، والأمانة في الإسلام هي عنوان واسع، وهي من أوسع العناوين، لتشمل المسئولية بكلها في كل ما يؤتمن الإنسان عليه، كل ما تؤتمن عليه: أنت مؤتمن في منصب بأي شكل من الأشكال، بأي اختصاص كان هذا المنصب، أو هذا الموقع، أنت مؤتمن على مال، أنت مؤتمن في مهمة عملية، أنت مؤتمن على دور معين، أنت…
الأمانة هذه أولًا ما بيننا وبين الله فيما ائتمننا عليه، الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- خلقك في هذه الحياة، وأماناته عندك أمانات كثيرة، كل ما خوَّلك الله وأعطاك هو أمانة عندك، هل أنت ترعى هذه الأمانة؟ أعطاك الله ما أعطاك في نفسك، ما أعطاك في جوارحك، ما أعطاك في حواسك، هذه أمانة عندك، هل أنت ترعى هذه الأمانة، أو أنت تخون فيها، فتستخدمها فيما هو معصية لله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-.
البصر أمانة عندك تستخدمه في أشياء محددة، يخدمك في هذه الحياة في سعيك فيها، فيما يفيد دينك ودنياك ضمن ضوابط شرعية، أنت حينما تستخدمه في أشياء محرمة تخون هذه الأمانة، سمعك كذلك، لسانك والنطق كذلك، جوارحك وأعضاؤك، كل ما أعطاك الله: الطاقة الذهنية، البدنية، الذكاء، الفهم، كل ما أعطاك الله، ائتمنك فيه، وأَذِن لك في حدود الاستخدام ضمن ضوابط: هناك حلال، وهناك حرام، احترم حلال الله وحرامه، لا تتعد، لا تتجاوز.
ثم في واقع هذه الحياة، المسئوليات بكل أشكالها وأنواعها أمانة، المسئوليات في الدولة: مسئولية أمنية، مسئولية إدارية، مسئولية خدمية، مسئولية بأي شكلٍ من الأشكال، كل مواقع المسئولية هي أمانة، لا تخن فيها بأي شكل من أشكال الخيانة: الفساد المالي خيانة، العبث خيانة، الإهمال والتفريط خيانة، عدم القيام بالواجب الذي يتحتم عليك ولم تبذل فيه استطاعتك وفرطت في ذلك خيانة، وهكذا، استغلال السلطة في المنافع الشخصية، والإضرار بالآخرين، ومخادعة الشعب، والظلم للناس خيانة ومساس بالأمانة… وهكذا في أي موقع من مواقع المسؤولية، ممارسة الظلم إذا أنت مسؤول أمني، أو في عمل أمني، ممارستك للظلم من خلال موقعك في المسؤولية خيانة ومساس بالأمانة، والمسؤوليات المالية، والمسؤوليات التي بيدك فيها أي شيء: إما صلاحيات معينة، أو إمكانات معينة، استخدامها خارج ذلك الإطار، وفيما يضر ويتعارض مع مسؤولياتك وواجباتك خيانة.
جانب الأمانة نحتاج إليها في كل شيء: فيما أنت مستأجر فيه مثلًا، فيما بيدك… فرعاية الأمانة مسؤولية كبيرة جدًّا، وعلى مجتمعنا المسلم أن يتثقف بها، الذي يبتاع ويشتري بحاجة إلى الأمانة، حتى في المعاملة لا يغش، لا يخدع الناس، لا يكذب عليهم في المعاملة، وإلا فهي خيانة، ولم يرعَ أمانته في ذلك، وما أؤتمن عليه في ذلك، إذا نقص، إذا بخس، إذا خادع بأي شكل من أشكال المخادعة في المعاملة خيانة، يرعى الإنسان أمانته في كل ما يُؤتَمن فيه، كل ما في يده وكل ما عليه من الأمانات، وهذه مسألة مهمة أن يتثقف الناس بها، وأن يركِّزوا عليها، وأن يتربوا عليها.
رعاية العهد كذلك، العهد: هو تأكيد للالتزام، أحيانًا يكون بين الناس التزامات معينة، أو اتفاقات معينة، أو وعود معينة فيما بينهم والتزامات متبادلة يؤكِّدونها بالعهد، والعهد مسألة مهمة جدًّا والتفريط فيه خطير جدًّا، {وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً} [الأحزاب: من الآية15]، العهد معناه: أنك تجعل الله كفيلاً عليك، وتحاول أن تعزز الثقة والاطمئنان لدى الآخر بهذه الطريقة، تقول له: [أنا أعاهدك بالله، أو لك عهد الله… أو ما شاكل ذلك]، فأنت حينما تعاهد أنت تؤكِّد التزامك فيما بينك وبين آخر من خلال أنك تكفّل الله عليك كشاهد وكفيل في أن تكون ملتزمًا بذلك الالتزام، فلا بدَّ أن ترعى عهدك، وهذا مطلوب يعني، كيانات، أفراد، جهات، أشخاص…الخ. وأن يكون هذا في الحق، أما أن تعاهد على حرام ما يجوز لك- أصلًا– تعاهد على فعل حرام، وإلا على نصرة باطل، ما يجوز لك أصلًا، يحرم عليك هذا.
المحافظة على الصلاة من أبرز صفات المؤمنين
{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون: الآية9]، بدأ بالصلاة وختم بالصلاة، بدأ بالخشوع فيها، وأتمَّ بالمحافظة عليها، فالمحافظة عليها في كل الأحوال والظروف: إذا أنت مسافر، إذا أنت مريض، وقد جعل الله لكل ظروف ما يناسبها: صلاة المريض إذا لم يستطع من قيام يمكنه أن يصلي من قعود، إذا لم يستطع من قعود يمكنه مضطجعًا…الخ. في كل الحالات: في حالة الخوف… كل الحالات، في الشرع الإسلامي تفاصيل عن كيفية المحافظة على الصلاة فيها، لكن المشكلة الكبيرة جدًّا والمنتشرة لدى الكثير من الناس: التفريط في المحافظة على الصلاة لأسباب ثانية، لا مرض، ولا خوف، ولا أي شيء من الأعذار الشرعية، التي لها- أيضًا– ما يناسبها ويساعد على الصلاة فيها والحفاظ على الصلاة فيها.
البعض من الناس- مثلًا- يعتادون- بالذات في صلاة الفجر- يعتادون السهر لفترات طويلة، لغير موجب، البعض في حالة عبثية، البعض وهم يشاهدون التلفاز، أو المسلسلات، أو على ألعاب الكترونية، أو بأي أشياء عابثة وتافهة، في حالةٍ من الضياع، وإهدار الوقت، وإهدار العمر، وإهدار الحياة وتضييعها، أو مسامرة باللغو، بالكلام الذي لا قيمة له، لا أهمية له، لا ضرورة له، ثم لا ينامون إلا في وقتٍ متأخرٍ من الليل- هذا طبعًا في غير شهر رمضان- فيأتي وقت صلاة الفجر فلا يستطيعون النهوض لصلاة الفجر، فلا يصلّون إلا في وقتٍ متأخر، والبعض يتركها نهائيًا، بعد أن يفوت وقتها، وقت صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، أول ما تطلع الشمس، خلاص فات وقتها، وخرج وقتها، واعتُبِرت- إذا كان ذلك بتقصيرٍ منك- مفرِّطًا بها ومضيِّعًا لها.
ولربما صلاة الفجر هي ضحية أكثر من غيرها من الصلوات، البعض– أيضًا– صلاة المغرب والعشاء يؤخِّرونها لغير ضرورة، ولربما البعض في ظروف عملية معينة من أجواء العمل والعمال قد يقصِّرون – كذلك– فيما يتعلق بصلاة الظهر والعصر، ولكن المؤمن حقًا، الذي هو مؤمن بالله، يخاف من الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- ويعي قيمة الصلاة، أهمية الصلاة، أثر الصلاة في نفسه وحياته، وفي رعاية الله له، سيحرص ألا يفرِّط، ولن يتعمد التفريط، ولن يتعمد الاستمرار على ما يؤدِّي إلى ضياع صلاته؛ لأنك إذا أخرتها عن وقتها فأنت أضعتها، وإذا أنت متعمد لهذه الإضاعة فعليك وزر كبير، وأنت مفرِّط تفريطًا كبيراً، وقاطع للصلاة (تارك للصلاة)؛ لأن المطلوب أن نؤديها في أوقاتها، إذا خرج وقتها، خلاص، إذا أنت ما عاد بن تصلي الفجر- دائمًا- إلا بعد طلوع الشمس، إلا في منتصف النهار، إلا في وقتٍ متأخر، هذه مشكلة كبيرة جدًّا، والاستمرار عليها والاعتياد لها يدل على انعدام للإيمان، ما أنت مؤمن أبدًا إذا أنت متعود ومستمر دائمًا، قد تطرأ لك ظروف معينة، حالات نادرة، حالات استثنائية لها اعتبارها، لكن أما حالة اعتيادية مستمر عليها، فهذه جريمة بكل ما تعنيه الكلمة، وانعدام لحالة الإيمان.
السهر غير المبرر وآثاره السلبية
لاحظوا، لا ينبغي أن يتعود الإنسان على السهر لغير ضرورة، لغير حاجة عملية، فقط مسامرة كلام، وهذفة، وهدرة، ومجبر… هذا لغو، أو متابعة مسلسلات وأشياء سخيفة، أو لعب الكترونية، وهكذا كل الأشياء التافهة التي هي مضيعة للعمر والحياة والوقت، ولها تأثيراتها السلبية في نفسية الإنسان، وفي حياته، وفي عمله، البعض من الناس- أيضًا– بسبب اعتيادهم لهذا السهر الذي لا ضرورة له، لا ضرورة عملية له، يضيِّعون أوقاتًا طويلة من النهار، معظم النهار، حتى عن أعمالهم في هذه الحياة، وعن مسؤولياتهم في هذه الحياة، البعض قد يكون موظفًا في الدولة، ما يذهب للدوام إلا في وقت متأخر، يسرح لك من الساعة العاشرة والنصف، أو الساعة الحادية عشرة يداوم نصف ساعة، أو ساعة، أي دوام هذا؟ أيش عاد با تنفع الناس به في نصف ساعة، ويذهب لك الساعة الثانية عشر… وهكذا.
البعض من الناس في مسؤوليات أخرى في هذه الحياة، مسؤوليات وأعمال مهمة، يجلسون كذلك للسهر، والبعض- أيضًا– مدمنون على الإطالة في تخزينة القات عندنا في اليمن، يجلس يخزن فترات طويلة جدًّا، أما هذا فأيضًا يؤثِّر على أعصابه، وعلى نفسيته، ويرهق نفسه جدًّا، ويصبح إنسانًا غير طبيعي في هذه الحياة، لا حالته الانفعالية متزنة، ولا وضعه النفسي متزن، ولا حالته العصبية متزنة، ولا أي شيء فيه متزن، ويقصِّر تجاه أسرته، يقصِّر- أيضًا– تجاه مسؤولياته في هذه الحياة، أعماله في هذه الحياة، حتى أن البعض يصبح عبئًا على أسرته، يعني: يكون هو في أسرة معينة ما عاد بيعمل لها أي شيء، يرقد إلى ظهر، ويستيقظ في وقت الظهر في حالة من: الغضب، والانفعال، والتذمر، والتوحش- على حسب التعبير المحلي- (نفسه في رأس أنفه)، ولا أحد يقترب منه، ويتسلقوه حتى أنه يخرج يشتري له شوية قات ويرجع يتغدى ويخزن، هذه ظاهر سيئة جدًّا في بعض المجتمعات ولدى بعض الناس.
فالعناية بصلاة الفجر واجب محتم، حتى أوقات الصلوات هي تساعد على جوٍ من الانتعاش وانتظام الحياة، إذا أنت تنام بشكل طبيعي وتستيقظ مبكرًا وتؤدِّي صلاة الفجر، هذا يساعدك على أن تستقبل يومك بطريقة عملية، ونشيطة، وصحية، وفعَّالة، وبطاقة جيدة اكتسبتها من أنك نمت بشكل طبيعي، استيقظت بشكل مبكر، يعطيك فرصة للعمل في هذه الحياة، فيما يتعلق بمسؤولياتك الأسرية والعامة، الأعمال والمسؤوليات بأي شكل من الأشكال تتحرك بطاقة جيدة.
فالمؤمنون يحافظون على صلواتهم، ولا يفرِّطون بها، وإلا فالإنسان غير مؤمن، هذا الخلاصة، فَقَدَ إيمانه إذا هو لا يحافظ على صلاته؛ لأن هذه من صفاتهم.
{أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون10-11]، هناك مستقبل يضمنه الإنسان أعظم من هذا المستقبل؟! كل من يقولون: [نريد أن نسعى لضمان مستقبلنا وتأمين مستقبلنا]، هذا هو المستقبل العظيم: {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ}، أعمال، اهتمامات، التزامات، هذه نتيجتها، أنت مستفيد منها في هذه الحياة حتى نفسيًا، ومستقبلها في الآخرة هذا المستقبل العظيم: الجنَّة، وبساتين الجنَّة، ومزارع الجنَّة، ومساكن الجنَّة، والنعيم الأبدي الذي لا نهاية له، أليس هذا شيئًا مهمًا وجذَّابًا؟ بلى، شيءٌ جذَّاب جدًّا يعني، ترتاح به في الحياة، تسمو به في الحياة، تشرف به في الحياة، له أثر وعائد إيجابي على نفسيتك، على مشاعرك، على واقع حياتك بكله، وتسلم به من عذاب الله، وتفوز من خلاله بجنَّة الله الجنَّة الدائمة.
طبعًا هذه الصفات البارزة هنا في هذه الآية هي تساعد في بقية الأمور، امتداداتها إلى شتى حياة الإنسان، إلى شتى المجالات في حياة الإنسان.
نكتفي بهذا المقدار، ونسأل الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا، أن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛