كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في الذكرى الثالثة للصمود في وجه العدوان 1439هـ
أُعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات، شعبنا اليمني المسلم العزيز:
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
ثلاثة أعوامٍ مضت من الصمود العظيم في وجه أعتى عدوان في هذه المرحلة على وجه المعمورة، العدوان الأمريكي السعودي على بلدنا، على شعبنا اليمني المسلم، بما تمتلكه قوى العدوان من إمكانات، وبما هيئ لها من ظروف، وبما يعاني منه شعبنا اليمني فيما قبل العدوان وفي أثناء العدوان، هو أعتى عدوان، وهو اليوم يمثل أكبر معركة في الساحة العالمية، وصمود شعبنا في مواجهة هذا العدوان، بالرغم من الظروف العصيبة جدًّا التي يعاني منها شعبنا على كل المستويات: في ظروفه السياسية، وظروفه العسكرية، وظروفه الاقتصادية، وما كان يعاني منه ما قبل العدوان من مشاكل وظروف سياسية معروفة.
الصمود في ظل وضع كهذا في مواجهة عدوان بمثل هذا المستوى قدم صورةً عظيمة عن شعبنا اليمني فيما يمتلكه من رصيدٍ إنسانيٍ وإيمانيٍ وأخلاقي، قدم صورةً عظيمة عن هذا الشعب في ثباته، في عظمته، في قوته ومنعته الأخلاقية والإنسانية، وحفظ لشعبنا حريته وكرامته، وهذا شيءٌ عظيم وشيءٌ مهم.
في هذا المقام يجب أن نعرف الحق لأهله
وهذا المقام، في هذا اليوم، في هذه المناسبة يجب أن نعرف فيه الحق لأهله،
فنتوجه أولاً بالشكر والحمد والإجلال والتعظيم والإقرار بالمنة لله «سبحانه وتعالى» الذي اعتمد عليه شعبنا، وراهن عليه شعبنا، ووثق به شعبنا، وتوكل عليه شعبنا، وهو «سبحانه وتعالى» نعم المولى ونعم النصير، كفى به ولياً وكفى به وكيلاً وكفى به نصيرا، فرأينا نصره ، ولمسنا تأييده، وعشنا رعايته في كل هذه الثلاثة الأعوام، والتي إذا عدنا فيها إلى المقارنة فيما يمتلكه شعبنا من إمكانات وقدرات مادية، في مقابل ما تمتلكه قوى العدوان من إمكانات وما هيئ لها من ظروف، نجد أن لا مقارنة، كان بإمكان قوى العدوان بهذه الحسابات وبهذه الاعتبارات، باعتبارات الإمكانات والظروف، كان بإمكانها أن تحسم المعركة لصالحها بحسب الخطة التي أعدتها واعتمدتها وأملت أن تنجح فيها في غضون أسابيع، ولولا هذه الرعاية الإلهية، هذا العون والنصر والمدد الإلهي العظيم على المستوى المعنوي، وعلى المستوى النفسي، وعلى مستوى الواقع، لما كان بالإمكان هذا الصمود، ولهذه الفترة من الزمن، وبهذه القوة والعنفوان والفعالية.
فنحن نتوجه إلى الله «سبحانه وتعالى» حامدين، شاكرين، معترفين له بالفضل والمنة، آملين منه وراجين منه أن يمدنا، يمد شعبنا العظيم بالمزيد من النصر والتأييد حتى يتحقق النصر الحاسم- إن شاء الله- باندحار هذا العدوان وإبطال كيد المعتدين الغزاة.
بعد الفضل والعرفان بالمنة لله «سبحانه وتعالى» نتجه بالتقدير والإعزاز إلى شعبنا العظيم، والأولى في شعبنا، وفي المقدمة قبل غيرهم الشهداء العظام: شهداء الميدان، شهداء الموقف، العظماء الذين ذهبوا إلى الميدان بكل إباء وبكل عزة، بكل استبسال وبكل تفانٍ، للتصدي لهذا العدوان الغاشم الظالم، وباستبسالهم وبتضحياتهم- التي وصلت لدرجة التضحية بالحياة والروح- بقي لشعبنا هذه المنعة وهذه الحرية، وبقي شعبنا في هذا الموقع من القوة والاقتدار والعزة.
بعد الشهداء نأتي إلى الجرحى، وحقٌ علينا أن نثمن تضحياتهم كذلك، جرحى الميدان، جرحى الموقف، جرحى الجبهات، الجرحى الذين أصيبوا وهم في ميدان البطولة والاستبسال والثبات، يقارعون ويتصدون لقوى الغزو والاحتلال والبغي والعدوان، فنزفت دماؤهم وهم في الميدان، وهم في حالة الصمود والاستبسال والثبات، والبعض منهم أصيب بجراحات بليغة، البعض منهم أعيقوا نتيجة هذه الإصابات، معاناتهم من جراحهم، معاناتهم والبلد محاصر لا يُتاح للجريح فيه أن يحظى بالعناية اللازمة، جديرة بالتقدير، والله «سبحانه وتعالى» هو الذي يكافئهم ويجزيهم خير الجزاء على ما يعانون، وعلى تضحياتهم وما قدموه.
بعد ذلك؛ الحق كل الحق في التقدير والثناء والإعزاز للرجال الأبطال، لرجال الميدان، للمرابطين في الجبهات، الذين ذهبوا إلى ميدان القتال وهم يحملون أرواحهم على الأكف، وهم يعيشون في كل لحظة حالة الاستعداد للشهادة، وهم يعيشون هذا الإحساس ويحملون هذه الروح المعطاءة في كل لحظاتهم، في ليلهم ونهارهم، وهم يعانون في تلك الجبهات، ما كان منها في الجبال، ما كان منها في السهول، ما كان منها في الصحاري، ما كان منها في الوديان، ما كان منها في المدن، ما كان منها في القرى، في كل محاور القتال، يتحركون باستبسالٍ عظيم، وصبرٍ عظيم، لا يثنيهم عن القيام بمهامهم وعن أداء واجبهم، لا ما يمتلكه العدو من أفتك أنواع الأسلحة، فلا قنابله، ولا صواريخه، ولا الحمم التي تلقيها طائراته، ولا الآلاف المؤلفة من شذاذ الآفاق ومرتزقته الذين يدفع بهم إلى الميدان، مسنودين بأكبر وأشرس وأقسى غطاءٍ ناري يمكن أن تشهده أي معركةٍ في العالم، تستخدم فيه كل أنواع الأسلحة، كل ذلك لم يثنهم عن القيام بواجبهم وعن أداء مهامهم العسكرية، وفي كل يوم، في كل نهارٍ وفي كل ليلة قوافل الشهداء تأتينا من عندهم تباعاً، موقفٌ عظيم، وصمودٌ واستبسالٌ يسطره التاريخ بصفحاتٍ بيضاء، بأسطرٍ من نور، بكلمات المجد التي ستكون درساً عظيماً لا أعظم منه ولا أشرف منه للأجيال القادمة.
نأتي إلى أسر الشهداء، تلك الأسر الصابرة، المعطاءة، المضحية، المحتسبة، نأتي إلى أسر الجرحى، نأتي إلى أسر المرابطين، بكل ما تعانيه تلك الأسر، والبعض منها المرابطون هم العائلون لها والقائمون على توفير احتياجاتها، فكانت بغيابهم تعاني من ظروف معيشية صعبة، إضافةً إلى ما تعانيه كل أسرة رجالها مرابطون في الميدان من غربة ومن شوق ومن لهفة إلى أبنائها وفلذات أكبادها، كل هذا يجب أن يقدر، يجب أن ننظر إليه نظرة الإعزاز، نظرة الإعظام، نظرة التقدير والإكبار والإجلال.
بعد كل ذلك نتوجه– أيضاً- بالإعزاز والتقدير إلى كل فئات هذا الشعب وأطيافه، من الذين تشرفوا بالوفاء والصمود والموقف الحق ضد هذا العدوان, الذين يسهمون بكل أشكال العطاء: العطاء بالرجال، العطاء بالمال، العطاء بالكلمة المعبرة والمساندة والمؤيدة والصادقة، بالصبر والتماسك على الظروف الاقتصادية الصعبة والمعيشية القاسية جدًّا، وهم برغم كل ذلك، وهم مع كل ذلك لا يزالون في الموقف الثابت الذي لا يتزحزح، في رفضهم لهذا العدوان بكل أشكال الرفض، وفي تأييدهم الصادق والقوي والثابت الذي لا يتزحزح للصمود في وجه هذا العدوان والتصدي لهذا العدوان، كلماتهم القوية، صبرهم العظيم، تماسكهم ومعنوياتهم العالية كلها تسهم مع كل تلك المواقف الميدانية على صناعة موقفٍ يمنيٍ عظيم جمع في كل طياته، في كل جزيئاته، في كل أشكاله، جمع وعبر عن موقفٍ عام، هو: صمود اليمن، هو ثبات اليمن وأهل اليمن في مواجهة هذا العدوان، شكّل للموقف العسكري في الميدان حالة من المساندة العظيمة والقوية، فكانت النتيجة هي هذا التماسك الكبير لشعبنا العزيز في مواجهة هذا العدوان. هذا ما يجب أن نتحدث عنه بعد ثلاثة أعوام من هذا الصمود العظيم الذي فيه تضحيات كبيرة وتضحيات عظيمة، وتضحيات بكل أشكال التضحية، وصبرٌ عظيم.
هذا الصمود هو نابعٌ من وعي، وعي عن حقيقة هذا العدوان والذي يدل على حقيقة أهدافهم الشيطانية، حقيقة ما هم عليه، أطراف هذا العدوان بأنفسهم يعبّرون بأنفسهم، بتشكيلتهم عن حقيقة أهدافهم، وممارساتهم الإجرامية عبّرت، وعدوانهم من أصله الذي لا مبرر له عبّر وقدم الشهادة على نفسه.
العدوان أمريكي بامتياز
هذا العدوان الذي هو كما نقول دائما، وسنظل نقول، والواقع يشهد لنا، هو عدوانٌ بإشرافٍ وإدارةٍ أمريكية، أمريكا هي من تدير هذا العدوان، لولا إذنها، لولا رضاها، لولا موافقتها، ولولا إدارتها، ولولا غطاؤها، ولولا مساندتها، ولولا دورها الرئيسي في هذا العدوان ما كان هذا العدوان، لما تجرأ النظام السعودي الذي هو أصغر وأحقر وأضعف من أن يتجرأ إلى الدخول في هذا العدوان على شعبنا العظيم وهو يعرف من هو هذا الشعب، هو يعرفه جيداً، وخَبِرَه في التاريخ جيداً، ويعرفه في الحاضر جيداً، ولا الأعرابي الإماراتي الأحقر كذلك من أن يتجرأ لأن يتورط في عدوانٍ كهذا، لكن- كما نقول وكما يعرف هذا الجميع- هم مجرد أدوات اشتغل بها الأمريكي، هم القفازات التي استخدمها الأمريكي في عدوانه وجعل منها غطاءً لإجرامه.
فهذا العدوان الذي هو بإشراف أمريكي، عدوانٌ أمريكيٌ بامتياز، عدوانٌ أمريكيٌ بكل ما تعنيه الكلمة، وهو بالتالي عدوانٌ باطل، لا يخرج عن السياق الاستعماري، وعن النزعة الاستعمارية التي تتحرك بها أمريكا في كل المنطقة، لا يخرج أبداً باعتباره جزءاً- أيضاً- من كل المعركة التي تشتغل عليها وبها أمريكا في المنطقة ككل عن المؤامرة الأمريكية الكبرى على أمتنا جميعا، والتي اتجه جزءٌ كبيرٌ منها على شعبنا اليمني العظيم؛ بحسب موقع هذا الشعب الجغرافي، بحسب أهميته المعتبرة، وبالتالي احتاج الأعداء إلى أن تكون معركتهم مع شعبنا اليمني معركة مختلفة عن معركتهم مع بقية الشعوب لحد الآن.
معركتهم مع بقية الشعوب لها أشكال وأنماط، ولكن معركتهم مع شعبنا معركة هي الأكبر والأشرس، والدخول فيها كان بزخم أكبر، بشكلٍ دولي، بشكل أنظمة وليس جماعات، واحتاجوا فيها إلى جهود كبيرة، واحتاجوا فيها إلى هذا المستوى الكبير من التدخل المباشر، والأدوات الكثيرة التي دخلت إلى المعركة، الوسائل الكثيرة، وهذا يشهد لشعبنا اليمني في إبائه، في صلابته، في قوة تماسكه بمعنوياته العظيمة، بإيمانه العظيم.
شعبنا يعي مع من يخوض معركته
فشعبنا يعي مع من هي معركته، وماذا يريده أولئك، ما الذي يريده الأمريكي، وما الذي يستفيده الإسرائيلي من هذا العدوان، الأمريكي طرفٌ واضحٌ من هذا العدوان، طرف واضح بتعبير ومواقف قادته ومسؤوليه، من كان منهم مسؤولون عسكريون، وغير المسؤولين العسكريين، مسؤولون سياسيون أيضاً، وهم تحدثوا بكل صراحة ووضوح عن الدور الأمريكي في هذا العدوان. الذي نستطيع أن نقول، بحسب ما يقولون هم: أنه يمثل مساحة كبيرة وجزءً أساسياً في هذا العدوان، عندما يقول الأمريكي أن إليه الدور المعلوماتي، الدور المعلوماتي ربع المعركة، ثم يقول: أن إليه الدور اللوجستي، هذا أيضاً اجعله- وبتواضع كبير- ربع المعركة أيضاً، ثم نأتي إلى مسألة العمليات المباشرة، فإذًا له دورٌ أساسيٌ في التخطيط والإدارة، فالذي بقي إلى الجانب السعودي هو التمويل، صحيح الذي يدفع المال هو السعودي؛ لأن الأمريكي أراد أن يستفيد من هذه المعركة ولا يخسر شيئاً، لا يحتاج إلى أن يخسر بالتمويل، فالتمويل في هذه المعركة على السعودي، والتصدر لهذه المعركة ليكون العار والخزي- بالدرجة الأولى- على السعودي، ليقول هو عن نفسه أنه صاحب الموقف، يعني: يتولى كِبر هذه المعركة، ويتحمل إصر ووزر هذه المعركة وهذا العدوان هو، ويتقلد عار هذا العدوان هو، ليتقدم في الصدارة، ويحسب العدوان على نفسه، ليقول عن نفسه أنه هو بتمويله وتصدره المعركة المتحمل لكل المسؤولية، هذه خطيئته، وهذا غباؤه، وهذا إفلاسه، وهذه حماقته.
الإماراتي كذلك، يأتي بعد الدور السعودي مباشرةً، ودوره سيء جدًّا في هذا العدوان، فجعل من نفسه- أيضاً– قفازاً آخر، حاله كما السعودي، يمول، ينشط على المستوى السياسي كما السعودي، على المستوى الإعلامي كما السعودي، على مستوى النشاط الميداني كأداة، هم يؤدون هذا الدور، نحن كذلك- بالتأكيد- نشهد لهم أنهم يؤدون أدوارهم كأدوات بشكل فعّال، وبشكل تام كأدوات للأمريكي، وكقفازات للأمريكي، هذا الدور يؤدونه جيداً، ويحاولون أن لا يقصروا فيه، ويحاولون أن يبذلوا قصارى جهدهم فيه، وخسروا الكثير والكثير في سبيل ذلك، ومن أجل تحقيق ذلك.
فإذًا هذا العدوان الأمريكي بأدواته الإقليمية: السعودي والإماراتي، ومن يلفونه معهم من شذاذ الآفاق، من الطامعين والانتهازيين، والذين يتحركون بأهداف من هنا أو هناك: أهداف رخيصة، أهداف شيطانية، أهداف سيئة، هذا العدوان بكل ذلك يهدف إلى السيطرة علينا، والاحتلال لبلدنا، هذه هي الخلاصة، كل أولئك الذي أتوا إلى ساحتنا معتدون وغزاة وظالمون، ومرتكبون لكل هذا الإثم، ومتحملون لكل هذا الوزر، هذا غاية ما يريدونه، سيطرة علينا كشعبٍ يمني، والاحتلال لبلدنا بموقعه الجغرافي المتميز، المطل على البحر الأحمر والبحر العربي، وموقعه في الجزيرة العربية (في جنوب الجزيرة العربية)، موقعه المهم على مستوى المنطقة العربية ككل، وفي التعبيرات الاستعمارية، في الشرق الأوسط، ثرواته، مقدراته، موقعه وقربه من ما يسمونه أيضاً في الاستعمال الأمريكي بالقرن الأفريقي، اعتبارات كثيرة، وأطماع كبيرة، دفعت بهم إلى هذا العدوان،
رغم الجراح.. شعبنا يحمل همّ الأمة
حساباتهم تجاه شعبنا الذي يرون فيه شعباً حرًّا، وشعباً أبياً، وشعباً عزيزاً، وشعباً مرتبطاً بقضايا أمته الكبرى، شعباً ليس حاله كحال بعض الشعوب المقهورة، المغلوبة على أمرها، التي وصلت لدرجة أن تكبل تماماً فلا تتحرك نهائياً تجاه ما يحدث في بقية المنطقة، ووصل الحال بها إلى أن تتمكن أنظمتها العميلة من إسكاتها تماماً، فلا يكاد يسمع لها صوت، |لا|. شعبنا يرون فيه شعباً مع الشعوب التي لها موقف بارز، ولها صوت مرفوع ومسموع تجاه قضايا الأمة، شعب مهما كانت جراحاته، ومهما كانت آلامه، ومهما عظمت محنته، ومهما كانت أوجاعه، لن ينسى أنه جزءٌ من أمةٍ عظيمة، من أمةٍ كبيرة، مصيره مرتبطٌ بمصيرها، ومشكلته جزءٌ من مشكلتها الكبرى، شعب حتى لو اتجهت إليه الخناجر والسهام من كل الاتجاهات، وحتى من داخل أمته، لا يزال يتطلع من الأعلى نحو فلسطين، ليقول لشعب فلسطين: يا شعب فلسطين أنا إلى جانبك، مهما كانت جراحاتي، وأنا إلى جانبك، مهما كان نزيفي، وليتطلع إلى كل أنحاء هذه الأمة، وإلى كل أقطار هذه الأمة، في شرقها والغرب، وفي شمالها والجنوب، ليقول لكل شعبٍ من هذه الشعوب، لشعب البحرين، ولكل الشعوب المظلومة، ولكل الشعوب المستهدفة- وكل شعوبنا مستهدفة-: يا أيتها الشعوب أنا لا أزال أحمل إحساسي بأني منكم وأنتم مني، وأننا أمةً واحدة، ويجب أن نبقى أمةً واحدة، ويجب أن نتسامى، وأن نتعالى على كل هذه الجراح، وعلى كل هذه الأوجاع، وعلى كل هذه الآلام، لنقول لأعدائنا الحقيقيين الذين أرادوا لنا أن ننساهم من خلال الدفع بأدواتهم الإقليمية لتبرز هي في الواجهة، ولتطغى على المشهد، فلا نرى- بحسب ما أرادوا هم- في الواجهة إلا النظام السعودي، وإلا النظام الإماراتي، وإلا ذلك التشكيل، أو تلك الجماعة من هنا أو هناك، داعش، القاعدة، غيرهم من العملاء والخونة، فلا نرى العدو الحقيقي الذي يصنع لنا كل هذا المشهد، والذي يحرك كل هذه الأدوات، والذي يلعب وهو المستفيد هو، وما أدواته تلك إلا خاسرة، ولن تكون هي المستفيدة أبداً، أراد لنا أن لا نراه، أن ننظر إلى قفازاته تلك، التي تلبس بها ويطعن بها، بخناجره المسمومة في أجساد أمتنا، في شعوب أمتنا، فنقول، ويقول شعبنا العظيم: لا وألف لا، أنا أعرف من هو خصمي الحقيقي، أنا أعرف من هو عدوي الحقيقي، أنا أعرف من هو المستفيد فعلياً من كل ما يجري هنا أو هناك، من كل هذا العدوان عليّ، ومن كل ما يجري على بقية المنطقة، وفي بقية شعوب هذه المنطقة، الأمريكي، الإسرائيلي، الذي هو المستفيد، وتلك هي عدو، تلك هي تشتغل كأدوات، هي بشغلها كأدوات تتحمل المسؤولية، ولكن ذلك لا يمكن أن يصدّنا، ولا يعمينا، ولا أن يجعلنا بحجم تلك الأوجاع وتلك الجروح ننسى من هو العدو الحقيقي، من هو صاحب المؤامرة، من هو المستفيد من كل ما يحدث. فشعبنا محسوبٌ له هذا الحساب، أنه ظل في كل المراحل الماضية، واستمر مع كل الأوجاع، ينادي بصوته المرفوع، المتضامن مع كل أبناء الأمة، مع كل شعوب المنطقة المظلومة، يدرك جيداً ويرى جيداً حقيقة هذا الواقع، ويتعامل بمسؤولية تجاه هذا الواقع بكله.
لهذا يستهدفون الشعب اليمني
فاستهدافنا كشعبٍ يمني، بهذا المستوى من الاستهداف واحدٌ من أسبابه أنهم يدركون قيمة هذا الشعب، ودور هذا الشعب ضمن هذه الأمة، وهو الدور الذي لن يتراجع عنه هذا الشعب، مهما قالوا عنه، ومهما فعلوا به، سيظل شعبنا اليمني- كما كان عبر التاريخ- ذا إسهام فعلي وحقيقي ومحوري وكبير وعظيم لصالح أمته الإسلامية، كل أمته الإسلامية، ومرتبطاً بهمّها وأوجاعها، ومدركاً قيمة ذلك، حتى له هو؛ لأننا سنظل عظماء في هذه الأمة، أي شعبٍ يتمسك بقضايا أمته، أي شعب يبقى متطلعاً إلى الواقع بكله من حوله، يبقى شعباً عظيماً، ويبقى شعباً أبياً، ويبقى شعباً مسهماً بإسهامات عظيمة، ويبقى شعباً مستفيداً؛ لأنه في نهاية المطاف كل هذه المساعي لبعثرة الأمة وتجزئتها وإنساء كل طرفٍ منها بقية الأمة، في يومٍ من الأيام كل هذه المساعي ستسقط، ستفشل، ويوماً ما ستنبعث الأمة بروحها من جديد أمةً واحدة، هذا هو المستقبل الحتمي لهذه الأمة، بالرغم أن حجم الهجمة كبير، ليس فقط في مستواها العسكري، وفي مستواها الاقتصادي، إنما في مستواها الإعلامي، في مستواها التضليلي الرهيب جدًّا، الذي يعزز حالة الانقسام بين الأمة بعناوين وعناوين، ويشتغل على كل الخلافات، والتباينات، والتناقضات؛ ليوسعها، ويعمقها، ويكبرها، ويعظمها، ويفاقمها، ويسعى أن يصل بها إلى حدّ الاستعصاء، ويسعى إلى أن يصل بها إلى الحد الذي تعجز فيه الأمة عن معالجتها، لكنها لربما يوماً ما تسهم في عكس ذلك.
شعبنا بهذا الوعي، بهذا الإحساس العالي بالمسؤولية، يدرك أن معركته معركة تحرر، ومعركة شرف، ومعركة مع أعداء الأمة، أولئك الأعداء الذين أتوا بنزعتهم الاستكبارية الظالمة، بأهدافهم المشؤمة، وممارساتهم الإجرامية، ويحمل رصيداً عظيماً من القيم: قيمة العزة، الإباء، الإيمان، الكرامة، الحرية…الخ. كل القيم الفطرية، والإنسانية، والإيمانية، والإسلامية، التي أصّلت عنده هذا الصمود مهما كان حجم الجراح والأوجاع، ومهما كان مستوى التضحيات، حاضر، وصمودٌ مثمر، لولا هذا الصمود لكان الاحتلال من يومه الأول، وكان العدوان من يومه الأول طوانا كشعب يمني، وانتهى أمرنا، وبقينا نعيش حالة العبودية، حالة الإذلال، حالة الهوان، شعباً بلا مستقبل، شعباً بلا إرادة، شعباً بلا كرامة، شعباً بلا حرية، وخلاص، نصبح شعباً مقهوراً وذليلاً، وخلاص، ينتهي أمرنا، لكن هذا الصمود كان له نتيجة عظيمة، فها نحن اليوم كشعبٍ يمني في موقعٍ عظيم ومتميز، موقعٍ من الصمود، من الإباء، من العزة، من التماسك، من الحرية، من الاستقلال، وفعلاً نعاني، وفعلا اقتطعت علينا أراضٍ كثيرة، وفعلاً قدمنا التضحيات الكثيرة، لكن ذلك لا يزيدنا إلا عزة، ولا يزيد صمودنا إلا قيمة، وإلا أهمية، وإلا إيجابية، ولا يزداد إلا دافعاً وحافزاً نحو المزيد من الصمود والثبات والتماسك.
اليوم تتطلع بقية الشعوب في كل العالم لترى في صمودنا هذا نموذجاً يحتذى به، نموذجاً في مواجهة أي تكتل عالمي وإقليمي، يتجه إلى العدوان على أي شعبٍ هنا أو هناك، يمكنه أن يرى في صمود شعبنا هذا النموذج الذي يحتذي به، فلا تنكسر إرادته عندما يرى مثل هذا التحالف والتكالب والتداعي من قوى العدوان، من قوى الشر، من قوى السيطرة والتكبر والهيمنة والتجبر، فيتجه بصمود، ويرى في صمود شعبنا نموذجاً يحتذي به.
ما لا يدركه المنحطّون
ثم نحن اليوم مهما كانت أوجاعنا وتضحياتنا ننعم بإحساسنا بالحرية، ننعم، هذا نعيم، إن لذة الحرية ولذة الإحساس بالحرية لدى الأحرار لا تساويها لذة، إن هذا الإحساس لا يساويه إحساس، إن هذا الشعور لا يساويه شعور، هذا شيء لا يدركه المنحطون والسافلون والأذلاء، أولئك الذين تطبعوا على العبودية للطواغيت، أولئك الذين استساغوا الإحساس بمشاعر الاستعباد والقهر والذلة هم لا يدركون قيمة إحساس الحرية لدى الأحرار، والشعور بالكرامة لدى الكرماء، لكن شعبنا يعرف، الأحرار في شعبنا يعرفون هذا جيداً، يحسون به جيداً، ينعمون به، وما أعظمه! وما أرقاه من إحساس وشعور!
ثمرة مهمة أن كان لهذا الصمود نتيجة كبيرة في الحفاظ على كياننا اليمني، فلم يتبعثر ولم يتلاش، ولم نصبح حديثاً لدى الناس الآخرين؛ أنه [كان هناك شعب يمني، كان هناك بلد اسمه اليمن، قبل أن يُحتل، قبل أن يتبعثر، قبل أن يتفكك ذلك الكيان، قبل أن تستقطعه تلك الدويلات وتلك الدول وتلك الكيانات، فينتهي ويتلاشى]. |لا|، اليوم بقي هناك شيءٌ اسمه اليمن، واسمٌ كبير، واسمٌ عظيم يسمع به في كل الدنيا، يسمع به في موقع الصمود، في موقع الثبات، في موقع الاستبسال، في موقع الصبر، في مقام التضحية، في مقام العزة، وألحق هذا الصمود وهذا الثبات بالعدو ألحق به الخسائر الكبيرة على كل المستويات، أولها سقوطه الإنساني والأخلاقي بدرجة كبيرة جدًّا، وهذا ما سنتحدث عنه في المحطة الثانية من حديثنا.
قوى العدوان الأمريكي الإسرائيلي، أدواته التي لعبت دوراً أساسياً في هذا العدوان، وتصدرت هذا العدوان: النظام السعودي، ومن بعده الإماراتي، ولا يسعنا الحديث عن بقية الأدوات؛ لأن دورها في هذا العدوان ليس إلا دوراً تابعاً بالمطلق، ولم تشأ هي أن تتصدر هذا العدوان، وللأسف يعني بعض الدول العربية، الأنظمة العربية كالسودان، كمصر، كالأردن، وإن كانت لها أدوار متفاوتة، ثم كل تلك المجاميع من شذاذ الآفاق التي أتوا بها من دول كثيرة جدًّا، دول كثيرة وكثيرة وكثيرة ضمن هذا العدوان، دول وأنظمة شاركت بمستويات متفاوتة، القائمة طويلة، قائمة الثمان عشرة دولة، ليس المقام للحديث عنها بالتفصيل.
طول أمد العدوان: تراكمات من الجرائم والفشل
قوى العدوان على مدى ثلاثة أعوام كان كل يوم يمضي من هذا العدوان إنما هو إضافة إلى تراكمات من الجرائم وتراكمات من الفشل، تراكمات من الجرائم؛ لأن كل يوم هو يومٌ جديد، أو يومٌ إضافي ارتكبوا فيه أبشع الجرائم، من: قتل للأطفال والنساء، من استهداف للمدنيين، استهداف للقرى، استهداف للمدن، استهداف لكل مقدرات الحياة، وصلت مستوى بشاعة هذه الجرائم لدرجة أن مؤسسات ومنظمات دولية هي في أصلها، في انتمائها، جزءٌ من تلك الدول، ومن تلك الأنظمة المشاركة في هذا العدوان، أو المشرفة على هذا العدوان، أو ذات الإسهام والدور الأساسي في هذا العدوان بشكل أو بآخر، شهدت على أن تلك الجرائم جرائم حرب، أن يصل مستوى بشاعة هذه الجرائم، وفظاعة هذه الجرائم، وكثرة هذه الجرائم، إلى أن تشهد على نفسها بنفسها، من خلال منظماتها، من خلال تلك المؤسسات التي هي مؤسسات تنتمي إليها، مؤسسات غربية، مؤسسات أممية، لها ارتباط بتلك القوى بشكل مباشر، فشهدت، مع أنها صماء تجاه ما تعاني منه أمتنا في العادة، وبكماء وعمياء، فلا تكاد تسمع أصوات المظلومين والمجروحين والمضطهدين والمعذبين، ولا تكاد ترى واقع المستضعفين، ومعاناة المستضعفين، ومآسي المستضعفين، وأن تنطق هي بالتالي أبعد من ذلك، ولكن شهدت.
اليوم تتحدث المنظمات والمؤسسات الكثيرة في الدول الغربية عن فظاعة هذه الجرائم وبشاعة هذه الجرائم، وأنها جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية، كل التوصيفات التي توصّف بها الجرائم كتوصيفات قانونية، وصّفت بها جرائم العدوان على بلادنا، وكل يوم هو يومٌ يسطره التاريخ في صفحاته السوداء عن تلك القوى الإجرامية، ويشهد بالفشل، أنها فشلت، لم تصل في النهاية، بكل ما تمتلكه، وهي تمتلك كل الإمكانيات الهائلة جدًّا، أغنى دول المنطقة ضخت بإمكاناتها المالية بشكل كبير جدًّا، ولدرجة غير مسبوقة، صفقات غير مسبوقة في المنطقة، وأموال هائلة قُدمِت إلى الأمريكي، ومحظوظ الأمريكي بغباء السعودي وبغباء الإماراتي، محظوظ بغبائهم، تلك الأدوات التي تدفع وتدفع وتدفع… بعد أن سماها الأمريكي بالبقرة الحلوب، وقد تمكن من أن يحلب أكثر ما في ضرعها، وهي في حالة صعبة جدًّا في أن تدر المزيد والمزيد، يعني: درّها ضَعُف، ضَعُف، يكاد أن ينضب لكثرة ما قد حلبها هذا الأمريكي، وهو سماها- وكان دقيقاً في هذه التسمية- بالبقرة الحلوب، وفعلاً.
تراكمات من الجرائم، وتراكمات من الفشل، هذا ما يعبر عنه طول أمد العدوان. لماذا العدوان لثلاثة أعوام متتابعة لم يستطيعوا أن يحسموا هذه المعركة؟ يعني: عجزاً وفشلاً في أن يحسموا هذه المعركة لصالحهم، ويحققوا هدفهم النهائي من هذا العدوان. أرادوا أن يسيطروا على بلدنا، ها هو بلدنا اليوم واقف بكل عزة وصمود واستبسال. يعني: انكشافهم وانكشاف أهدافهم كغزاة وطامعين ومحتلين. المناطق التي تمكنوا من احتلالها في بلدنا، المحافظات الجنوبية، بعض المحافظات الشرقية، أجزاء من بعض المناطق، ما هو واقعهم فيها؟ واقع كل ما فيه يشهد عليهم بأنهم ليسوا سوى غزاة، وليسوا سوى محتلين.
مرتزقة العدوان والتبريرات الزائفة
لاحظوا، وصل الأمر لدرجة أن البعض من مرتزقتهم، الذين بالرغم من وضوح كل شيء، كل شيء بيّن وكل شيء واضح، ظلوا طوال فترة طويلة، خلال كل هذه السنوات يتحدثون بطريقة غير صحيحة نهائياً، الطريقة التبريرية الزائفة المفضوحة والمكشوفة، يقولون: |لا|، كل هذا العدوان وكل هذا الجهد وكل هذه الخسائر الرهيبة التي تكبدتها قوى العدوان، وكل ما أراده النظام السعودي والنظام الإماراتي ومن معهم من كل هذه الخسائر، وكل هذه الجهود، وكل هذه الجرائم، وما أراده الأمريكي من فوقهم، والإسرائيلي من خلفهم، كل هذا الجهد الجهيد والأموال الهائلة، وكل هذا العدوان الكبير أتى من أجل خدمة فلان ابن فلان، يعني: عبد ربه، والقوة الفلانية، الحزب الفلاني، والجماعة الفلانية، أتى كل هذا العالم من أجل أن يمكّنهم في بلدنا ليكونوا هم من يحكمون هذا البلد! هذه كل القصة.
النظام السعودي يقدم الآلاف من جيشه (قتلى، وجرحى)، ومن قادة جيشه، بما فيهم قادة كبار، يخسر مئات المليارات، يعاني الفضيحة على المستوى الإنساني والأخلاقي على مستوى المنطقة بكلها، ويظهر كمجرم لا نظير له في المنطقة. النظام الإماراتي من هناك يأتي بنفس ما عليه الحال لدى السعودي، من فوقهم الأمريكي بكل ذلك الاهتمام، بكل ذلك المستوى من التدخل والمشاركة بكل أشكال المشاركة، بكل هذا الإسهام الكبير، وهو يأخذ ثلاثة أجزاء: الإدارة للمعركة على المستوى المعلوماتي واللوجستي, وإدارة العمليات, والغطاء السياسي، والحماية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن… يعني: دور واسع جدًّا، والبريطاني من هناك لاهث بكل اهتمام و مسارعة، واهتمام كل العالم من هنا وهناك، كل هذه التشكيلات التي أتت ضمن هذا العدوان احترام للموقر عبد ربه! متسابقون كل العالم من هنا وهناك ومقدمون كل شيء ليبقى رئيساً في اليمن!! من أجل حزب الإصلاح، من أجل بعض المكونات في الجنوب، من أجل ذلك الداعشي، ومن أجل ذلك القاعدي، ومن أجل ذلك الشيخ (بعض مشايخ القبائل)، هؤلاء ليبقوا الأصل في اليمن، كله من أجلهم… أوه أوه أوه والعسارة، يعني: هذه الأهمية لكم في العالم!! السعودي يحاول أن يبيع ما يملك ويقدم حتى أهم ما لديه، الدعامة الرئيسية لاقتصاده (أرامكو) يقدمها في المزاد العلني، ويكاد أن يبيع كل ما يملك، يعني: كل هذا من أجلكم أنتم، تكونوا السلطة في اليمن!! لا أحد في العالم يمكن أن يقول ذلك إلا سخيف يعني، لكن البعض لا يمانع في أن يكون سخيفاً، يعني: ما عند البعض مشكلة أن يقول ما لا يُقال، مهما كان الكلام ساقطاً، تافهاً، سخيفاً، لا مستند له، حتى لو كان مجرد هذيان، سيظل ينطق به بشكل واصل [الشرعية، الشرعية، الشرعية، دعم الشرعية، تحالف دعم الشرعية…] وهكذا 24 ساعة.
هل حان الوقت ليعرفوا الحقيقة؟
لكن اليوم الكثير منهم باتوا يقولون: |لا|، صح، هناك انحراف في أهداف العملية العسكرية]، ليش؟ لأن هذه الشرعية أحياناً يجعلونها في الزنزانة، وأحياناً يكبلونها!! والممارسات في تلك المناطق- التي سموها زوراً وبهتاناً وكذباً ودجلاً- بالمحررة باتوا يقولون: [يعني: ممارسات احتلال] بخجل، بشعور بالإحراج، ممارسات احتلال!! أجَلْ احتلال، ما هو الاحتلال غير ذلك؟!
باتت الأمور مكشوفة اليوم بعد ثلاثة أعوام من العدوان بأكثر من أي وقت مضى، الذي يحصل هو عدوان بكل ما تعنيه الكلمة، غزو أجنبي، احتلال لبلد مستقل وحرّ اسمه «اليمن»، والذي يجري في المحافظات الجنوبية من جانب الإماراتي من ممارسات، كلها ممارسات احتلال: سيطرة عسكرية مباشرة على المطارات، على الموانئ، على المقرات المهمة، على القواعد العسكرية المهمة، على المنشآت الاقتصادية المهمة، بما فيها منشآت النفط والغاز، سيطرة على جزيرة ميون، سيطرة على جزيرة سقطرى، سيطرة تامة على الوضع السياسي، سواءً في الحالة الشكلية باسم حكومة، أو باسم شرطة، أو باسم أي إدارة من أشكال إدارة الدولة، أو تحت أي عنوان، الحالة الأمنية، سيطرة أمنية مباشرة للأجنبي، السيطرة السياسية، السيطرة العسكرية، السيطرة الاقتصادية، السيطرة الأمنية، السيطرة التامة حتى في الإذن لما يدخل من بضائع وما لا يدخل، لتلك الأدوات الخارجية، للإماراتي الذي هو أداة للأمريكي.
الإمارات لا تلعب هذا الدور لنفسها هي أداة تلعب هذا الدور وترضى لنفسها، يعني: البعض في الإقليم، البعض في المنطقة يعتبر هذا شرفاً كبيراً أن الأمريكي يقبل به كأداة، أن يكون شرطياً لأمريكا، وأن يكون متجنداً معها وأداةً بيدها، يعتبر هذا أكبر شرف وأكبر فخر في العالم؛ لأن البعض لا يمتلك الإحساس بالقيمة الذاتية لنا كأمة مسلمة، ولا كأمة عربية، ما عنده إحساس بهذا أبداً (بالقيمة الذاتية)، البعض مفلس من هذا تماماً، لا يحس بقيمة ذاتيَّةٍ لا لأننا أمة إسلامية وعربية، ولا بأي شيء، ما عنده أبداً أي إحساس، يرى في أمريكا كل شيء وأهم شيء وأعظم شيء، ويقول إذا وصل أمريكا أنه يحب أمريكا كالإمارات، هذا كبيرهم يقول هكذا، وفي واقع الحال أكثر من الإمارات! وبعيداً عن أمريكا لا يحسب نفسه شيئاً، وفي ظلها حسب نفسه شيئاً ما، شيئاً ما يذكر!.
على كُلٍّ، الممارسات التي هناك: احتلال وسيطرة مباشرة في الأرض، على ما ذكرنا من: موانئ، ومطارات، ومقرات، وقواعد، ومنشآت، وجزر مهمة جدًّا، وسيطرة على الوضع كوضع: الحالة السياسية، الحالة العسكرية، الحالة الأمنية… كل شيء تحت السيطرة المباشرة، والآخرون هناك يرون نفوسهم بكل وضوح مأمورين، مقهورين, مستعبدين، ليسوا هم أصحاب الأمر، لم يأت الإماراتي ليعزز سلطتهم، ويعزز قرارهم، ويسلمهم كل شيء، ويبقى هناك ليحرسهم، العكس هو الذي يحصل، الأدوار التي مناطة بهم كمرتزقة وكعملاء أن يكونوا حراساً للإماراتيين، وأن يكونوا هم الدرع الذي يتدرع به ويتحصن به في مواجهة الجيش وفي مواجهة اللجان الشعبية، في مواجهة الشعب اليمني، لا بأس أن يقدمهم في المعركة؛ ليكونوا هم من يقتلون، ولا بأس أن يحيط بهم معسكراته؛ ليكونوا هم الحرس الذين يحرسون، أما أن يكونوا هم أصحاب القرار، أصحاب الأمر، أصحاب الشأن في نفس المناطق: في عدن، أو في أبين، أو في حضرموت، أو في أي محافظة من تلك المحافظات. |لا|، الأمر للحاكم العسكري الإماراتي، هو بنفسه مأمور، وبلده مأمور، وسلطته مأمورة، ونظامه مأمور لضباط أمريكيين، الحال مع السعودي كذلك في المناطق حسب التقاسم للأدوار والمهام الميدانية.
ممارسات أدهى وأمر!
والأمر أسوء من هذا، أنهم يتلقون الإهانات، في بعض الأحوال يقتلون، سواءً بالطائرات، أو بالقصف البري، إذا حادوا شيئاً ما عن الأوامر أو زاغوا قليلاً؛ قد تشن عليهم الغارات الجوية فيقتلون، وفي بعض الحالات يسجنون، يكون بصفة وزير، ثم يعتقل ويوقف ويهان، حصل هذا لبعضهم في عدن في مراحل ماضية، وحصل لبعضهم في غير عدن، ويحتجزون، ويذلون، يعاملون بالإذلال في الممارسة والمعاملة والتخاطب، إذا لزم الأمر يصفعون على وجوههم، كل حالات الإذلال، كل ممارسات الاحتلال، وهي كلها ممارسات إذلال تحصل معهم وتحدث معهم، وهم يشعرون بهذا، وللأسف رضوا لأنفسهم بهذا!.
البعض لم يرضَ لنفسه أن يبقى في ظل وطنه شريكاً مع الأحرار والشرفاء في بلده، شريكاً حراً، شريكاً في القرار، وشريكاً في موقف الشرف، شريكاً في المسؤولية، وشريكاً في البطولة، شريكاً في الصمود، لم يرضَ لنفسه بهذا الشرف؛ لأن عنده عقدة الحقارة، عقدة الحقارة هي مشكلة، عقدة خطيرة، مرض خطير، البعض لا يستطيع، والله البعض لم يستوعبوا هذا: أن نقول لهم تعالوا لنكون معاً في هذا البلد، أخوة، شركاء في موقع المسؤولية جميعاً، في الموقف، نتصدى لهذا العدوان، نقف بوجه هذا العدوان، نتعاون في بناء بلدنا، نتعاون في إدارة شؤوننا، شركاء سواءً بسواء، يقول لك: [لكن شوف السعودي، الإماراتي، الأمريكي، البريطاني]، لم يستوعب بعضهم أن بإمكاننا أن نكون بلداً مستقلاً وحراً، رأوا هذا شيئاً كبيراً علينا، وغير ممكن لنا، وكانوا يرون أن المعركة حينما تكون لن تكون إلا لأيام أو لأسابيع، فإن كثرت المدة الزمنية وطالت بالأشهر وتنتهي المعركة، وذهبوا وهم يتعجلون حسم هذه المعركة، فأرادوا أن لا يخسروا، وكانوا يتوقعون أن الثبات خسارة، وأن الصمود يعني: أن نفقد كل شيء.
قالوا: نلحق بصف العدوان، نلحق من خلال العدوان يعطينا ولو من الفتات، إذا صمدنا قد يمسك الوضع في أسرع وقت وارجع يقول: [خلاص روحوا لكم]، فأرادوا أن يحققوا آمالهم وأوهامهم في الحصول على مكاسب سياسية ولو وهمية، يعني: البعض يرغب لنفسه أن يكون وزيراً، ولو كان في مستوى جندي، وليس في مستوى وزير في صف العدوان، يقول: [أقل شيء أبقى في ظل العدوان ولو شيء، اشتغل] يعني، ما عنده قيمة لا لحرية، ولا لاستقلال، ولا لكرامة، ولا لشيء…
في الجنوب.. الوضع أكثر من كارثي
المسألة في الجنوب، في المحافظات الجنوبية وبعض المناطق لا تقف عند هذا الحد: مجرد سيطرة، مع أن هذه كارثة يعني وقضية خطيرة، أن يسيطر الأجنبي على بلدك يعني فقدت كل شيء: فقدت حريتك، وفقدت استقلالك، وفقدت كرامتك، وفقدت أرضك، ولم تبقَ معه إلا على الفتات، وسيعطيك ما يعطيك كأجر زهيد وأجر بسيط في أن تكون خادماً معه، تشتغل كخادم فقط، ثم أنت قد خسرت كل شيء، أعطيته البلاد، أعطيته نفسك، أعطيته السيطرة عليك وعلى بلدك وعلى كل شيء، خسارتك لا تقدّر، لا حدود لها.
مع هذا، هل هناك وضع مستقر؟ هل هناك سيطرة واحتلال وإدارة للأمور في ظلها حالة من الاستقرار نوعًا ما؟ |لا|، ليس معها استقرار أبداً، يعني هناك ممارسات إجرامية من قبل المحتل هذا، ومن قبل أدواته أيضاً؛ لأنه شكل جماعات متعددة، ما هناك لا وضع دولة، ولا وضع حكومة، ولا إدارة دولة، ولا أي شيء من هذا، جماعات وتشكيلات متعددة ومتباينة؛ ليجعل منها أوراقاً تتنافس فيما بينها على من يقدم خدمة أكبر، ويضرب بعضها ببعض، هذه حالة مخزية، وحالة سيئة جدًّا، ما فيها أي راحة لهم أبداً، ما ارتاحوا.
فأحيانا هو يدفع بهم إلى الهاوية في معاركهم مع الجيش واللجان الشعبية، فإذا كانت المسألة أن هناك لدى بعضهم قدراً من الاستقرار، أو قدراً جيداً من الاستعدادات والتجهيزات، لا يلبث أن يضربهم فيما بينهم؛ فتحدث بينهم المعركة هنا والمعركة هناك، والاقتتال هنا والاقتتال هناك.
فهو في ظل هذه الحالة من: اللعب بهم، والاستنزاف لهم، والفتك بهم في معاركه مع البلد، وفي المعارك فيما بينهم، وفي القتل المباشر الذي يطالهم به، وينالهم به في بعض الحالات بصفة الضغط عليهم للزحف أكثر والاستماتة أكثر في مواجهتهم للجيش واللجان الشعبية، هذا الذي يحصل، وما هناك استقرار. المحافظات الجنوبية ترتكب فيها كل أشكال الجرائم، لا هناك أمن، القتل العبثي، وحالة من الفوضى التي يقتل فيها الكثير، لا يعرف من قتلهم، وكيف، والجماعات هذه المتنافسة، والتشكيلات المتباينة فيما بينها والمتناقضة فيما بينها، والتي لا تلبث بين كل آونةٍ وأخرى أن تتنازع على هذا المقر أو ذاك، أو هذه المنطقة أو تلك، ثم تدخل في اقتتال.
ليس هذا فحسب، جرائم الاغتصاب، وهي هذه تحصل، حصلت في المخا، حصلت في عدن، وحصلت في محافظات كثيرة، جرائم الاغتصاب باتت تحصل بشكل فظيع، وبشكل مؤسف، بشكل يبعث على الأسى في تلك المناطق، هتك الكرامة، وهدر الكرامة، جرائم النهب والسرقة، كل أشكال الإجرام، وكل حالات انعدام الاستقرار هي حالات قائمة في المناطق المحتلة، فهو حال فظيع جدًّا، لم يقدموا نموذجاً فيه ولو فيه قليل من الجاذبية أبداً. هذا هو الحال الحاصل، وباتت المسألة واضحة أن المسألة مسألة احتلال وغزو وسيطرة أجنبية على البلاد.
قرن الشيطان وصفقته!
اليوم، بات الوضع بالنسبة للمعتدي السعودي ومعه الإماراتي مكشوفاً، ليس على مستوى دوره الإجرامي والعدواني على بلدنا، بل على مستوى المنطقة ككل، افتضح السعودي اليوم بأنه يلعب دوراً تخريبياً على مستوى المنطقة لصالح أمريكا بشكل مباشر، والدور السلبي الذي يلعبه اليوم فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وفي التآمر على الشعب الفلسطيني، وفي التآمر على مقدسات الأمة، على المسجد الأقصى، على مدينة القدس، بات مكشوفاً على نحوٍ غير مسبوق، وبات الدور السعودي والدور الإماراتي جزءاً رئيسياً فيما يسمى بصفقة القرن، إلى جانب الدور الأمريكي اليوم الذي بات في الطليعة، بات في المقدمة، وهو يسعى هو أن يُدخِل الوضع في فلسطين إلى مرحلة جديدة، لكن الذي سيدخلها اليوم هو الأمريكي؛ لأنه بنقله لسفارته إلى القدس، وبكل ما يتلو ذلك من خطوات على الأرض، من خطوات سياسية، من خطوات أخرى، الأمريكي هو الذي يقود هذه المرحلة، الأمريكي هو الذي يقود هذا الانتقال في الصراع، وهذا الانتقال في المعركة في فلسطين نفسها، والسعودي جنباً إلى جنب يلعب دوراً سيئاً ومكشوفاً ومفضوحاً، متآمراً بكل وضوح، سواءً على المستوى السياسي، أو على المستوى الإعلامي على نحوٍ مقرف وفظيع جدًّا، الإعلاميون التابعون له، والذين يشتغلون لحسابه، بكل وضوح يتوددون إلى إسرائيل، يتحدثون عن إسرائيل كحليف، يتحدثون بشكل سلبي جدًّا عن القضية الفلسطينية، وعن القدس والمسجد الأقصى، وعن الشعب الفلسطيني، والمؤامرة باتت واضحة جدًّا، فهناك تجلٍ للأمور ووضوح وتكشف، وهذا العدوان على بلدنا له إسهام كبير في أن تنكشف السعودية إلى هذا المستوى، وتفتضح هي والإمارات إلى هذه الدرجة.
فالمحصلة لثلاثة أعوام من العدوان على مستوى انكشاف الحقائق مهمة جدًّا، والمحصلة على مستوى الواقع مهمة جدًّا، ونحن لسنا نادمين على مستوى التضحيات التي قدمناها، وحاضرون للتضحيات أكثر وأكثر وأكثر، واليوم شعبنا أكثر إيماناً وأكثر وعياً تجاه هذا العدوان، وأعظم تصميماً وعزماً على الاستمرار في الصمود والمواصلة للصمود.
منطلقنا في التصدي للعدوان
المسألة بالنسبة لنا مسألة ليس فيها مساومة، وليس فيها أبداً إمكانية للتغاضي، مسألة حرية، مسألة كرامة، مسألة استقلال، مسألة حاضر ومستقبل، لو قبلنا بهذا الاحتلال، ولو استسلمنا لهذا الغزو؛ خسرنا الحرية، والكرامة، والحاضر، والمستقبل، والدنيا، والآخرة، وخسرنا القيم.
اليوم نحن كشعبٍ يمني بإيماننا أولاً، بما في هذا الإيمان من مبادئ وقيم وأخلاق، وبما فيه من تعليمات، بأوامر الله العلي الأعلى نجاهد ونتصدى لهذا العدوان، كجهاد مقدس، وعمل شرعي شرعه الله «سبحانه وتعالى»، وفريضة إسلامية ودينية، نحن نؤمن أنه يجب علينا شرعاً أن نواجه هذا العدوان الظالم، فيما هو عليه من ظلم، وعلينا مسؤولية إيمانية ودينية أن نواجه الظلم والظالمين، فيما يهدف إليه من استعبادٍ لنا واحتلال لأرضنا، وعلينا مسؤولية شرعية إيمانية، ومع ذلك مسؤولية وطنية أن نتصدى لهذا العدوان.
المتأسلمون. الوطنيون. القوميون.. غربلة!
صحيح نحن أمام اختبار كبير، افتضح البعض في هذا الاختبار، البعض كانوا يقولون خلال الفترة الماضية أنهم إسلاميون، واشتغلوا في الساحة اليمنية على أساس أنهم أحزاب إسلامية، قوى إسلامية [قال الله، وقال رسوله]، وتحركوا في المساجد بخطبائهم، تحركوا في نشاطهم التثقيفي تحت العنوان الإسلامي والديني، فإذا بأولئك مع كل ما كانوا عليه من خطاب، ومحاضرات، وضجيج لا نظير له في الساحة اليمنية تحت العنوان الإسلامي، ظهروا بأنهم مجرمون بكل ما تعنيه الكلمة، فلا قتل الآلاف المؤلفة من أطفالنا كيمنيين أصبح حراماً. |لا|، في إسلامهم أصبح حلالاً، وإسلامهم غير الإسلام المحمدي، غير إسلام الرسول، وغير إسلام القرآن الذي يحرم فيه دم الإنسان المسلم، ما بالك بدم الطفل المسلم، ولا قتل نسائنا (بالآلاف من النساء)، ولا كل الذي يحدث من جرائم، من تدمير، من ظلم رهيب على المستوى الاقتصادي، من تجويع لهذا الشعب، من محاربة له في معيشته.
إن الحرب على شعبنا اليمني المسلم في حياته، في معيشته، في أمنه واستقراره، في كل أوضاعه الحياتية والمعيشية، إنه يوصّف في التوصيف القرآني بأنه حرب لله ولرسوله، وبأنه إفسادٌ في الأرض، وبأنه إهلاكٌ للحرث والنسل، هذا الشعب اليمني الذي تعتدون عليه، هذا الشعب اليمني الذي استُبيحت دماؤه، واستُبيحت أرضه، واستُبيحت مقدراته، واستَبحتم بحقه فعل كل شيء: أن تقتلوه، وأن تجوعوه، وأن تظلموه، وأن تفعلوا به كل شيء، وأن تكذبوا عليه… هو شعبٌ مسلم، هو شعبٌ مسلم، له حرمة الإسلام، له عصمة الإسلام في دمه، في عرضه، في ماله، في ممتلكاته، فلم تقدروا كل ذلك.
كل تلك الحالة من المطْوعة والتظاهر بالتدين تلاشى، فظهروا مجرمين، مستبيحين لقتل الأطفال والنساء، ومبررين، ومشرعنين، وعادي عندهم، كل ما قد حصل عادي، المآسي اليومية، الجرائم اليومية بحق هذا الشعب أصبحت جائزة عندهم. أما البعض أيضاً كانوا يظهرون على الساحة بأنهم وطنيون، يقول لك: [أنا وطني وطني وطني]، وأربعة وعشرين ساعة يتحدث لك عن الوطنية والوطن، فإذا به مقابل شوية من الفلوس باع الوطن والمواطن، وانظم إلى صف أولئك الغزاة للوطن، والمستهدفين للوطن، والمحتلين للوطن، وباع وطنيته بقليل من الفلوس، خلاص كمل.
البعض كانوا يتحركون في الساحة باسم القومية، وكانوا في كل المراحل الماضية يقولون عن السعودية بأنها: (أم الرجعية، وأبو الرجعية، وأنها الرجعية بذاتها)، فإذا بهم بكل بساطة جنود رخيصون لصالح تلك الرجعية، ويتحركون تحت عباءتها وتحت إمرتها، وفي كل ما تقول لهم أن يفعلوا أو أن يقولوا هم طيّعون وخاضعون وخانعون، ونجحت كل ذلك التطبيل والكلام والضجيج، كانت تمثل تلك العناوين برامج، وكانت تمثل عقائد، وكانت تمثل- كذلك– دعامة لنشاطهم في الساحة وأساساً، بل عنواناً رئيساً يتحركون به في الساحة.
اختبار كبير للإسلاميين، للوطنيين، للقوميين… لكل الفئات، بقي الأحرار، بقي الشرفاء، بقي الصادقون, وهذه سنّة الله في كل زمن أن يختبر الجميع؛ ليتجلى الصادق من الكاذب، فبان الكاذبون في انتماءاتهم ومقولاتهم وعناوينهم، تبين الصدق من الزيف.
تعزيز الصمود على كل المستويات
اليوم نحن معنيّون في مشارف العام الرابع– طبعاً سيكون لنا إن شاء الله كلمات قادمة نتحدث فيها عن كثيرٍ من الأمور- معنيون بمواصلة الصمود، وتعزيز هذا الصمود على كل المستويات، على المستوى الرسمي: الجانب الرسمي معنّي- كما قلنا فيما مضى- أن يتجه في برامجه، في مسؤولياته، في أنشطته على المستوى العسكري، وعلى المستوى الاقتصادي، وعلى مستوى تصحيح وضع مؤسسات الدولة، في كل الاتجاهات: في محاربة الفساد، في غير لك، بشكلٍ مرتبط مع المرحلة الراهنة، يتجه بشكلٍ رئيسي للتصدي للعدوان وخدمة الشعب، هذه الحالة مطلوب؛ لأن الحالة كانت بعيدة، يعني: بُرمجت الدولة في مؤسساتها وفي أوضاعها وفي كل شؤونها في الماضي ببرنامج مختلف كلياً، مختلف عن قاعدة الاستقلال، عن قاعدة الحريّة، كانت حالة قائمة على التبعية المطلقة للخارج، وكانت حالة مبنية على اللامواجهة مع هجمة دولية إقليمية بهذا المستوى الذي هو حاصلٌ اليوم، لكن نحن معنيون لتعزيز وضعنا من الداخل كما ينبغي.
على المستوى الشعبي معنيون بالتصدي لكل محاولات الاختراق: في الاستقطاب، في التضليل، في إثارة المشاكل الداخلية، في التتويه للناس وراء مشاكل هنا أو هناك على حساب اهتماماتهم الرئيسية، أن نتعامل كأولوية بكل ما يعزز هذا الصمود، أن نستمر في تطوير قدراتنا العسكرية. اليوم بحمد الله قدراتنا العسكرية تتنامى مع كل هذا الواقع الصعب.
ثلاثة اعتبارات تمثل قيمة صمود شعبنا
وقيمة صمود شعبنا في ثلاثة اعتبارات مهمة جدًّا:
الاعتبار الأول: حجم العدوان كبير جدًّا، أغنى الدول في المنطقة، وأقوى الدول في العالم أتت في هذا العدوان علينا.
الاعتبار الثاني: الوضع الماضي لم يكن وضعاً بناءً، المراحل الماضية لم تكن قد بنت لنا في اليمن واقعاً قوياً مستقراً في الحالة السياسية، في الحالة الاقتصادية، في الحالة العسكرية… |لا|، أتى العدوان ووضعنا الداخلي- حسب تعبيرنا المحلي- (طبْخة) ملان بالمشاكل السياسية، لا دولة قائمة مستقرة على أقدامها في وضع اقتصادي ووضع عسكري ووضع سياسي، ولا استقرار سياسي، ولا أمني، ولا اقتصادي… ولا شيء. الوضع الاقتصادي: قبل العدوان على حافة الهاوية؛ نتيجة السياسات الماضية والمشاكل الماضية والتوجهات الماضية، الوضع العسكري: وضع الجيش كان مفككاً، وولاءات مشتتة، وحالة معروفة، يعني: واقع حتى الأعداء من تقييمهم كان مشجعاً لهم على العدوان، أنه وضع حالته حاله، لكن الحمد لله هناك منعة مكتسبة مع الاستمرار، وهناك توجه وبناء من واقع صعب، وهذا أحسن بناء: البناء الذي يكون في واقع صعب وفي مواجهات تحديات كبيرة هو الذي يكون عادةً بناءً مستحكماً وبناءً قوياً؛ لأنك تبني بحسب هذا الواقع، بحسب ما تواجهه، بحسب هذا التحدي، مستوى هذه الأخطار، عادةً يكون بناءً قوياً، وبناءً متماسكاً.
الاعتبار الثالث: وضع الدولة، والحالة الشعبية كذلك، التعاون، صحيح هناك فجوة وقصور فيما بين التعاون الرسمي الشعبي، يحتاج هذا لآليات عمل، حتى تكون حالة بالذات مع النخب، بالذات مع الكفاءات، هناك كفاءات كثيرة، هناك طاقات لم تستوعب، لم تفعّل الدولة بحاجة أن تبرمج أدائها لتكون قائدة للشعب، ومفعلة للشعب، ومحركة للشعب، وراعية لكل ما هو داخل هذا الشعب من: طاقات، وقدرات، وإبداعات، وتشغلها في الاتجاه الصحيح، لا أن تشتغل لوحدها والشعب لوحده، ولا أن تكون هناك، يعني: في حالة من التعثر، والشعب ينتظر ما الذي يطلب منه.
ضرورة تفعيل المبادرات الذاتية
أيضاً هناك أهمية لتفعيل المبادرات الذاتية إلى جانب السعي لآليات عمل مشتركة بين الحالة الرسمية والشعبية، يجب تفعيل المبادرات الذاتية، وأنا أقسم لكم: والله باعتمادنا على الله «سبحانه وتعالى» وبكل ما هو متاح من إمكانات، وقدرات، وطاقات، إذا فعّلت، إذا جمّعت إذا نسقّت؛ سيعطينا الله البركة، ويعطينا بذلك النصر، ويعطينا بذلك الخير، ويعطينا بذلك- بفضله وكرمه ورعايته ومعونته، وهو وعد، ووعده صادق- يعطينا بذلك ما يغنينا حتى عن اللهث وراء ما لدى الخارج.
اليوم هناك شتات في الجهود، لا يزال الكثير من التجار عاد حساباته ثانية، لكن مثلاً: لو اتجه التجار واتجه المبدعون والكفاءات والطاقات وبرامج العمل كلها في حالة من التناسق والتظافر والتجميع، وهذا التوجه في مسارات موحدة؛ لأثمرت، وأنتجت، وعالجت الكثير من مشاكلنا في وضعنا الاقتصادي الذي المسؤول الأول عنه هو العدوان، والمسؤول الثاني هو حالة التقصير في واقعنا الداخلي، التقصير من الجميع: التقصير في الأول من مؤسسات الدولة، والتقصير في الثاني من الواقع الشعبي في مدى هذا التناسق في الجهود والتظافر، والتجميع للطاقات، والتفعيل لها في برامج موجهه، منسقة، فاعلة، هادفة توصل إلى نتيجة عظيمة.
إن شاء الله هذا الكلام، أو هذا الموضوع يحتاج إلى مشاورات، إلى جهود، إلى نشاط عملي، وهذا ما سنعمل عليه في الأيام القادمة إن شاء الله.
نسال الله «سبحانه وتعالى» أن يكتب لنا في العام الرابع التأييد، النصر، العون، السداد، ونسأل الله «سبحانه وتعالى» أن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفك أسرانا، وأن ينصر شعبنا، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
ملحوظة الختام.. تقض مضاجع اللئام!
قادمون في العام الرابع بمنظوماتنا الصاروخية المتطورة والمتنوعة، التي تخترق كل وسائل الحماية الأمريكية وغير الأمريكية، بمنظومة بدر، بمنظومة بركان، بمنظومات أخرى وأخرى، قادمون في العام الرابع بطائراتنا المسيّرة التي هي على مدى بعيد، والتي فاعليتها جيدة، وقدرتها العسكرية ممتازة، وقادمون في العام الرابع بتفعيل غير مسبوق للمؤسسة العسكرية، وفتح مجال أكثر وأوسع للتجنيد لأبطال ورجال هذا الشعب، قادمون بقناعة، بإيمان راسخ، بوعي أكثر، قادمون في العام الرابع ونحن نرى ما آل إليه حال المرتزقة من منهم محتجز، من منهم مهان، من منهم مستذل، ونحن نرى الوضع في المناطق المحتلة، ليس إلا وضعاً يبعث على أن تنفتح الأعين التي غطى عليها البعض، وأن يستضيء البعض الذين كانوا عمياً خلال المراحل الماضية ممن خدعوا، وقادمون في العام الرابع- إن شاء الله- متلمسين لنصرٍ من الله، ومعونةٍ من الله، وبرهاننا على الله وتوكلنا على الله «سبحانه وتعالى» {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}[الحج: من الآية40].
رعاكم الله، وفقكم الله، أعانكم الله، إن شاء الله في يوم الغد، في فعالية الغد في صنعاء حضوراً مشرفاً، حضوراً يمانياً، حضوراً عظيماً، وحضوراً مشهوداً يعبّر عن هذا التوجه نحو الاستمرار في الصمود والتماسك والثبات.
وفقنا الله وإياكم، وثبتنا الله وإياكم…
مع سلامة الله.