المحاضرة الرمضانية الخامسة عشر للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 18 رمضان 1439هـ
من دروس يوم الفرقان حتمية الصراع لتغيير الواقع المظلم
أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبده ورسوله خاتم النبيين.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات:
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
نواصل الحديث عن معركة بدر الكبرى، وعلى أساس التركيز على الدروس والعِبر والحقائق المهمة المستفادة من هذه المعركة، يوم السابع عشر في شهر رمضان المبارك هو يومٌ تاريخيٌ عظيم، وأسماه الله في كتابه في القرآن الكريم: بـ (يوم الفرقان) {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} [الأنفال: من الآية41]، العادة التي عليها البشر أن الشعوب والأمم تحتفل بالأيام المجيدة في ذكرى تاريخها، الأيام التي حفلت بأحداث كان لها أثرها الكبير في إحداث تحولات مصيرية، وتغييرات كبيرة في واقع الحياة.
ويحق للمسلمين أن يلتفتوا بجدية إلى هذا اليوم العظيم، وأن يستفيدوا من هذه الواقعة، سيما إذا عادوا للاستفادة من القرآن الكريم، والاستقراء لهذه الواقعة من خلال القرآن الكريم.
القرآن الكريم- في سورة الأنفال- قدَّم عرضًا عظيمًا ومهمًا، وغنيًا بالدروس والعبر، والحقائق المهمة التي تستفيد منها الأمة في موقفها العسكري، وفي صراعها مع أعدائها، وفي مواجهتها للتحديات إلى يوم القيامة، وينبغي التركيز بشكلٍ كبير على العودة إلى القرآن الكريم للاستهداء به، والاسترشاد به، والاستذكار به؛ لأن العرض الذي اعتاد عليه الكثير من كُتَّاب السِّيَر، والكثير من المؤرخين هو عرضٌ مُجرَّد، وفي كثيرٍ من الأحيان لا يركز على بعض المسائل ذات الأهمية الكبيرة التي فيها الكثير من الهداية، ورسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- هو لنا القدوة والهادي والمعلم والمربي، هو نبينا ورسولنا الذي نستلهم ونستفيد ونستهدي من كل حركته، من كل مواقفه، وفي المقدمة من جهاده، من حركته العسكرية، من حركته في مواجهة التحديات والأخطار.
الأمة تحتاج إلى الاستفادة من رسول الله، إلى الاهتداء به، إلى الاستلهام للدروس والعِبر من موقفه الذي يقدِّم لنا- على المستوى الشرعي- الحقائق ذات الصلة بالشرعية الدينية، يقدِّم التعليمات والمواقف التي لها ارتباط بالمشروعية الدينية، إضافةً إلى ذلك الحكمة، رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- هو أرقى بشر في حكمته، وهو الذي تجسَّدت في كل سلوكه وحركته في الحياة، تجسدت الحكمة في أرقى وأسمى مستوياتها.
فنحن بحاجة لكي نكون أمة حكيمة، ومهتدية، وتتحرك بالشكل الصحيح، وتتحرك بمقتضى انتمائها الإيماني والديني بشكلٍ مشروعٍ وسليم إلى الاقتداء برسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- ومن خلال ما قدَّمه القرآن قبل غيره؛ لأن القرآن له ميزته في النقل الصحيح 100 %، الإنسان مطمئن إلى هذا، ما هناك أكاذيب، ما هناك دسائس، ما هناك باطل، ما هناك أشياء دُست لأهداف، أو دوافع عصبية، أو مذهبية، أو غير ذلك… ثم بالتركيز بشكل كبير على الهداية؛ لأن القرآن كتاب هداية، يُقدِّم أي حدث، أي قَصص بالعبرة، بالدرس، بالهداية، بما فيه مما يفيد البشرية وينفعها في واقع حياتها في أي زمنٍ كانت.
من أجل تغيير الواقع لا بد من خوض الصراع
فيوم الفرقان هو يومٌ عظيم، بركاته امتدت من بعده وإلى قيام الساعة، أثره الكبير في صناعة تحوّل في واقع البشرية بكلها، كان بداية هذا التحوّل في ذلك اليوم، وفي هذا نفسه دروس مهمة جدًّا: أن صناعة التحولات والتغيرات الكبرى في واقع البشر، وأن السعي للانعتاق والتحرر من وضعية سيئة جدًّا إلى واقعٍ إيجابيٍ وسليم، واقعٍ تعيش فيه الأمة في رعاية الحق، في رعاية الخير، في رعاية القيم، واقع تتحرر فيه الأمة من حالة الظلم والطاغوت والجبروت والاستكبار، لا يمكن أن يتحقق لها ذلك بالأماني ومجرد الكلام. لا، هذا غير ممكن أبدًا، البعض لديهم تصورات غير واقعية نهائيًا، والأخذ بها معناه ضياع، ضياعٌ للناس، ضياعٌ للوقت، ضياعٌ للجهد، وضياع للأمة، وتمكين أكثر وأكثر للطاغوت والاستكبار.
الذين يتصورون أن بالإمكان تغيير واقع البشرية، أو تغيير واقع مجتمع معين من المجتمعات من خلال فقط الكلام، والموعظة الحسنة، والعمل الهادئ جدًّا، ومن دون أي تضحيات، ولا صراع، ولا مشاكل، ولا مواجهة التحديات، ولا تعرض لأخطار، هذا وهم ورؤية ساذجة بكل ما تعنيه الكلمة، وأمر لا شاهد له في واقع البشرية، يعني: في استقراء التاريخ، واستقراء الماضي والحاضر، ما هناك تغيرات كبيرة وقعت في حياة البشر وفي حياة أي مجتمع، وحتى لو كان مجتمعًا محدودًا.
بل إن القرآن الكريم سرد لنا كثير من القصص المهم والعظيم، الذي هو حق وواقع ومؤكَّد، فيه الدروس المهمة، والأنبياء هم أعظم المصلحين في واقع البشر، ما هناك أحد أكمل منهم، وأرقى منهم، وأعلى منهم، ويحظون برعاية إلهية مباشرة، واتصال بالله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- فيما يتعلق بالتوجيهات المباشرة والمستجدة بشكلٍ لا مثيل له مع غيرهم، وهم في ما هم عليه من كمال، من أخلاق، من حكمة على أرقى مستوى، هم صفوة البشر وخير البشر، مع ذلك هل كانوا يتمكنون في الواقع البشري من العمل بهذه الطريقة: صناعة تغيير كامل بدون مواجهة، بدون مشاكل، بدون تحديات، بدون صراعات، فيتحركون في الساحة بما هم عليه من أخلاق عظيمة، من كمال عظيم، من نفوس زاكية وطيبة، بنوايا حسنة، بإخلاص، بحسن خلق، كذلك أسلوب راقي جدًّا في الأداء، برحمة عظيمة جدًّا، فيتلقى البشر ما قدَّموه لهم: من هدى، من خير، من تعليمات راقية، من توجيهات عظيمة، من سعي لإصلاح واقع البشرية بالترحاب، ويقول الناس: [إلا معكم، أهلًا وسهلًا بكم]، وينطلقون للإيمان، ويصلح المجتمع بكله، ويتحول إلى مجتمع طيب جدًّا، وما عاد فيه أحد لا بيعارض الحق، ولا يتصدى للحق، ولا ينتقد على الحق، ولا يسعى لمنع الحق، ويتجاوب الناس مع تلك القيم، وتلك الأخلاق، وتلك التعليمات التي هي فطرية، وفيها خير للبشر، وفيها مصلحة، ولا يفترض أن تستفز أي إنسان، ولا أن ينزعج منها أي إنسان؛ لأنها حق، وخير، ومصلحة، وفائدة، وعدل.
الأنبياء ودعوتهم: الأنبياء بما هم عليه من كمالٍ إنسانيٍ عظيم، شخصيات جذابة جدًّا، الأنبياء شخصيات جذابة للغاية، كمال إنساني عظيم جدًّا، يضاف إلى ذلك ما هم عليه من مكارم الأخلاق، أرقى مستوى في الواقع البشري من مكارم الأخلاق لدى الأنبياء، ولدى خاتم الأنبياء رسول الله محمد -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-.
ما هم عليه أيضًا من حكمة وحسن تصرف بشكل كبير، لديهم أسلوب راقي جدًّا، أداؤهم أداء ناجح، أداء حكيم، أداء سليم، ما يغلطوا، ولا يتصرفوا بطيش، أو حماقة، أو أسلوب غير حكيم، والدعوة كذلك: الدعوة التي يقدمونها للبشر دعوة حق وخير ومصلحة ومنفعة وعدل ورحمة، رحمة بكل ما تعنيه الكلمة، وعندهم قدرة عالية جدًّا في إيصال هذه الدعوة إلى الناس بأرقى مستوى.
وحتى الأنبياء اضطروا لمواجهة الملأ المستكبر
مع ذلك ما الذي يحدث؟ في البداية يصطدم بهم كثير من أبناء المجتمع، طليعة الموقف الذي يتصدى للأنبياء ولحركتهم (الملأ المستكبرون)، القادة والزعماء والوجاهات والشخصيات التي لها سلطة، لها تأثير، لها ثروة، لها نفوذ في الساحة، تتحرك بكل نفوذها من موقعها في السلطة، أو من موقعها في التأثير بحسب الأعراف السائدة في المجتمعات البشرية، والنمط المعتاد لديهم في النفوذ والسلطة والإدارة، يتحركون ويحركون معهم الكثير من الناس، الكثير من أبناء المجتمع ينحاز إليهم في البداية، يصغي لهم، يميل إليهم؛ لأن الكثير من الناس لا ينظر إلى الحق كحق، وإلى أهله كأهل حق وأصحاب حق. |لا|، المعيار عندهم: النفوذ، السلطة، الثروة، هذا النفوذ بسلطته وثروته هو المعيار الأهم لدى الكثير من الناس، يتحركون بشدة في مواجهة الأنبياء أنفسهم ودعوتهم، والمشكلة معهم دعوتهم بالتأكيد.
رسول الله محمد -صلوات الله عليه وعلى آله- أكمل الأنبياء وسيد الرسل، وهو أيضًا خاتم النبيين، وهو الذي وصل إلى أرقى مستوى في الواقع البشري، في كل الصفات الحميدة ومكارم الأخلاق والحكمة والذكاء والفهم، أكمله الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وأعدَّه إعدادًا راقيًا وخاصًا ومتميزًا، وكذلك دعوته دعوة حق، ودعوة رشد، ودعوة فلاح، ودعوة خيرٍ ورحمة، والله قال عنه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: الآية107]، يأتي إلى مجتمع في مكة، المجتمع العربي، وهو المعروف بينهم في كل ماضي حياته بـ: الصدق، والأمانة، ومكارم الأخلاق، والرشد، والحكمة، والاتزان، وما هناك أي إشكالية، أو شبهة، أو شيء يخدش في ماضيه، يخدش شيئًا من كماله، أو ينقص شيئًا من قدر منزلته أبدًا، ماضي راقي جدًّا ونظيف ومتميز جدًّا.
يأتي ليقدِّم هذه الدعوة التي هي رحمة للناس، وبأسلوب راقي جدًّا وحكيم، وبالموعظة الحسنة، وبالحكمة، وبحرص كبير جدًّا جدًّا، امتلك من الحرص على هداية الناس ما لا يمكن أن نتخيله، {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ} [الكهف: من الآية6]، يعني: يصل إلى درجة أن يكاد أن يهلك، أن يموت من الألم على الناس، كيف لا يؤمنون، كيف لا يهتدون، يسعى لإنقاذهم مما هم فيه من وضع سيئ جدًّا في الدنيا، ومن مخاطرة كبيرة أمامهم في الآخرة (من نار جهنم).
رسول الله بكماله العظيم، وأخلاقه العالية، وحكمته، وذكائه، وحسن تصرفه، وأدائه الراقي جدًّا جدًّا جدًّا على المستوى العملي، وعلى مستوى الحركة، يتحرك في الساحة، فيأتي أولئك ليتحركوا ضده بكل ما يستطيعون، على مستوى الاستهداف بالإساءة إليه شخصيًا، وعلى مستوى التكذيب بدعوته، أولًا: وقفوا موقفًا حاسمًا من دعوته، وكانت دعوة حق واضحة جدًّا، فوقفوا منها موقفًا حاسمًا بالتكذيب، قالوا: [هذا كذب، هذا لا أساس له من الصحة، هذه الدعوة لا ينبغي أن يلتفت إليها الناس ولا أن يصدقوها نهائيًا]، وحذَّروا الناس بكل شدة من الاستجابة لها، الدعوة إلى توحيد الله في العبادة، وأنه وحده لا إله إلا هو، وترك تلك الأصنام الحجرية التي كانوا يصنعونها، أو يشترونها من الأسواق ويدفعون ثمنها ثم يجعلون منها آلة يعبدونها، ويعتبرون أنفسهم عبيدًا لها، يشتري صنمًا ويملكه بثمنه، ثم يجعل نفسه مِلكًا لذلك الصنم الذي امتلكه، عجيبة يعني!!
مكارم الأخلاق التي دعا إليها: الصدق، المروءة، العدل، الطهارة- القائمة طويلة- الإحسان، العدل، الـ الـ… كل تلك القائمة يرمى بها عرض الحائط، وتحارب جدًّا، وتعتبر مشكلة كبيرة جدًّا، كل ما دعا إليه من الرحمة، من العدالة، العدالة الاجتماعية فيما بين الناس، المعاملة الحسنة، الـ الـ… القائمة طويلة، كلها خير، كلها مصلحة، كلها جيدة، كلها ما يفترض أن يُستفز منها الإنسان، قالوا: [هذا لا ينبغي أن يستجاب له نهائيًا، وهذا ممنوع نهائيًا].
الرسول الأكرم في مواجهة الحرب الإعلامية
رسول الله الذي هو أعظم الناس رشدًا، ما هناك أي شك في رشده، في فهمه، في اتزانه، في عقله، يعني: بحسب التعبير العام (أعقل الناس، أكملهم)، هذا الذي هو أرشد الناس يتهمونه بالجنون، أولئك المستكبرين الذين قادوا العمل ضد رسول الله: أبو سفيان، أبو جهل، أبو لهب، ومن معهم يعني، واتبعهم الكثير من الناس، حاولوا أن يشنوا على رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- حربًا تستهدف شخصيته؛ كي لا يسمع الناس منه، كي لا يتقبل الناس منه، كي ينظر الناس إليه نظرةً بالشك والارتياب والاحتقار ومن جوانب متعددة، مثلًا: الجنون، تهمة الجنون، وهو معروف بين المجتمع أنه الأرشد والأعقل في البشرية بكلها، وأعقل البشرية بكلها منذ آدم إلى آخر مولود في البشر، قالوا: هذا مجنون، مجنون تمامًا، قد جن، أصيب بالجنون، وهذه مشكلته أنه قد أصيب بالجنون فلذلك يتحرك ويدعو الناس هذه الدعوة، ويحاولون أن يعمموا هذه الدعاية، ولربما البعض من سذج الناس قد يصدق، يقول: [ربما الرجل قد جن يعني، قال أبو سفيان، قال أبو لهب، قال أبو جهل، وهذه شخصيات، زعامات حاضرة في الساحة ونافذة، مش معقول يعني أنها باتقول هكذا ومش صحيح الموضوع]، وُجِّهت إليه التهمة بالجنون، وحاولوا أن يروِّجوا لهذه التهمة في الساحة، وأن يقنعوا بها الناس فترة, ما نجحت هذه الدعاية، والكثير من الناس تبينت لهم الحقيقة، وقليلون حتى لو تأثروا بها تأثرهم لا يفيد في وقف هذه الدعوة، وفي القضاء على هذا الحق، وفي إيقاف هذا المشروع الإلهي العظيم.
بحثوا عن دعاية أخرى: (شاعر)، بحثوا عن دعاية أخرى: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} [النحل: من الآية103]، سلسلة طويلة عريضة كثيرة من الدعايات والاتهامات، قالوا: [افَتَراه، بيكذب، لا تصدقوه أبدًا]، يشككون في مصداقيته، وهو أصدق البشر، وهو الذي نقل عن الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- بكل أمانة.
ليس هذا فحسب، عندما انتشرت الدعوة الإسلامية، وتوسعت، تحركوا لمنعها بالقوة، وليس فقط بالدعاية الإعلامية المشوهة، والتنفير، والحرب الاقتصادية، والمضايقات ووو… سلسلة من الإجراءات التي اتخذوها، إنما اتجهوا إلى محاربة هذه الدعوة بالقوة، أن من يؤمن بهذه الدعوة بإمكانهم أن يسجنوه، وأن يعذبوه، وأن يضطهدوه، وحتى إلى درجة القتل، مثلما قتلوا ياسر، والد عمار بن ياسر، وقتلوا زوجته، واضطهدوا آخرين أشد الاضطهاد.
وفي الأخير تآمروا وأعدُّوا خطة لقتل رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- بنفسه، وهذا ما حكاه القرآن الكريم في سورة الأنفال نفسها، وهو يتحدث عن هذه المؤامرة، {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: الآية30]، لاستهداف رسول الله بنفسه، لم يعودوا يطيقونه، خلاص، ما يتحملوا أن يكون هناك في الساحة من يدعو إلى الحق، من يدعو إلى العدل، من يدعو إلى الخير، من يدعو إلى الرحمة، من يقدِّم تلك القيم، من يقدِّم تلك المبادئ، هذا أمر لا يطاق عندهم أبدًا، ولا يمكن تحمله نهائيًا، ويستخدمون كل الوسائل والأساليب في محاربته والسعي لمنعه.
فرسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- أتاه الإذن الإلهي بالهجرة من مكة إلى المدينة، هاجر، ومعروفة قصة الهجرة، تحدثنا عنها، الكثير من الناس يعرفونها من خلال المحاضرات، الكتب، الدراسة…الخ.
قريش تعد العدة للمواجهة المسلحة
في المدينة بدأ يتحرك هناك، ولكن هل كان بمعزل عن التآمر عليه من جديد؟ |لا|، استمرت قريش- وهي في طليعة الموقف في محاربة الإسلام ومحاربة نبي الإسلام ومحاربة المسلمين- استمرت في مؤامراتها، ومساعيها العدائية في محاربة هذا الإسلام للقضاء عليه، ولم تكن توفر طريقة من طرق المحاربة إلا واستخدمتها، حاولت أن تنسق مع الكثير من المناطق والقبائل لمحاربة هذا الإسلام اقتصاديًا، ومحاربة أهله، وأن من يلتحق برسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- يجب أن يكون خائفًا بنظرهم، ويسعون إلى أن لا يكون آمنًا لا في سفر ولا في حِل ولا في ترحال، وأن تكون الساحة العربية بكلها ساحة معادية وغير آمنة أبدًا لأي أحد ينتمي إلى الإسلام ويتبع رسول الله محمدًا -صلوات الله عليه وعلى آله-.
واستمرت في التحضير العسكري لعمليات عسكرية؛ لكي تبتدئ خطوة في الاقتحام إلى المدينة، للاعتداء على رسول الله والمسلمين هناك، وكانت تعدُّ العدة، وأرسلت قافلة تجارية، مهمة هذه القافلة التجارية- حصريًا- التمويل لأول عملية عسكرية ضد رسول الله والمسلمين في المدينة.
بالنسبة لرسول الله والمسلمين معه، الحالة مع قريش كانت حالة حرب، يعني: قريش سبق لهم أن اضطهدوا المسلمين، أن عذبوهم، أن قتلوهم، أن أخرجوهم من ديارهم، أن صادروا ممتلكاتهم في مكة، أن أن…الخ. حالة عدائية على أعلى مستوى، يعني: في القمة، في الذروة من حالة العداوة، يعني: ما هناك لا حالة صلح، ولا حالة سلم من الأساس، لكن رسول الله لم يدخل بعد في معركة ويخوض معركة بشكل منظم، أما أولئك هم يفعلون كل شيء، وصلوا إلى درجة القتل، والاضطهاد، والإخراج من الديار، كل الوسائل العدائية استخدموها.
رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- ما الذي يفعله بعد أكثر من ثلاثة عشر عامًا من هذا الصراع الذي عانى فيه المسلمون الأمرَّين، ما الذي يفعله؟ هو بالطبع رسول الله، يرتبط دائمًا بتوجيهات الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- فرسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- انتظر توجيهات الله، وأتته التوجيهات الإلهية التي تحركه.
فإذًا، أمامنا أول درس من يوم الفرقان: أنه لا تُصنع تحولات ومتغيرات لصالح المستضعفين، ولعتق الناس المظلومين، ولإنقاذ البشر المهضومين والمضطهدين… إلا بمواقف، إلا بتضحية، إلا بعمل، إلا بجهد، إلا بمعاناة، (هذا أول درس)، وأن كل الذين يتخيلون صناعة التحولات والتغيرات الإيجابية في واقع البشرية بدون تضحية، بدون عناء، بدون احتكاك بقوى الشر والإجرام والطاغوت والفساد والظلم، بدون مشاكل؛ هم واهمون وغير واقعيين أبدًا، غير واقعيين نهائيًا، ويقدمون للناس شيئا غير صحيح، ولا واقعي، ولا يمكن الاعتماد عليه، والاعتماد عليه مضيعة لكل شيء، وتمكين للظلم والطاغوت والإجرام، ولا يجدي شيئًا، وكلام ساذج، ولا ينبغي أن يُلتفت إليه نهائيًا، وساذجون من يعتمدون عليه.
درس مهم: بقدر فاعليتك يقف الطغاة ضدك
الدرس الثاني: يقول الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} [الأنفال: من الآية5]، الدرس الثاني أيضًا أن الإنسان مهما كان في مكارم أخلاقه، في صلاحه، في حسن نيته، فيما هو عليه من اتجاه إيجابي في هذه الحياة، ومهما كان في حكمته، وفي رشده، وفي حسن تصرفه، وفي أدائه، ومهما كانت دعوته صالحة، ودعوة خير، ودعوة حق، ودعوة عدل، ودعوة رحمة… لا يبقى بدون مشاكل، بل- على العكس- أنت كلما كنت أكثر فاعلية، وأرقى أداءً، وأصيلًا في انتمائك، وصادقًا في انتمائك لتلك القيم، وللحق، وللخير، وللعدل… الشيء الذي سيحصل أنك ستُحارب أكثر، وأنك ستواجه من المشاكل أكثر من غيرك؛ لأن البعض من الناس- مثلًا– يتصور إنه بالإمكان أن يكون الإنسان في هذه الدنيا رجل حق (ينتمي إلى الحق)، رجل خير، رجل صلاح، رجل رحمة، وعلى درجة عالية من مكارم الأخلاق، وحكيمًا في كلامه، في أفعاله، في تصرفاته، ويترك أثرًا إيجابيًا في واقع هذه الحياة، يترك أثرًا صالحًا في حياة الناس، من دون أن يواجه أي مشكلة، ولا أن يدخل في أي احتكاك مع أحد، ولا أن يبغضه أحد، ولا أن يسيء إليه أحد، ولا أن يتحدث عنه أحد بالسوء، والاتهامات، والكلام، ووو… والبعض يفترض أن الشخص الذي هو صالح هو الذي سيكون على هذا النحو: (رجال ما معه قلب مبغض، ولا معه أحد بيتكلم فيه، وكلًا سالي عليه، ولا أحد بينزعج منه أبدًا)، هذا هو الطيب الذي لا يزعج أحدًا في الدنيا، (الإنسان الذي هو ما شاء الله العظيم، يكادون أن يبتلعوه من طيابته في نظرهم)، ما هناك أحد ينزعج منه في هذه الحياة, هذه نظرة لدى البعض.
يا أخي، الأنبياء -عليهم السلام- لم يكونوا على هذا النحو، كان المنزعجون منهم كُثُرًا، وانزعاج شديد جدًّا، أنت إذا كنت أصيلًا في انتمائك للحق، مجسدًا لمكارم الأخلاق، مبدئيًا مع الحق، هناك الكثير والكثير جدًّا سينزعجون منك بقدر فاعليتك، بقدر ما تكون فاعلًا، عندك هذا الانتماء للحق، هذا الالتزام بالحق، هذا الالتزام بمكارم الأخلاق، هذا التحرك بها في هذه الحياة، ولك فاعلية، لك تأثير؛ بالتأكيد لا بد أن ينزعجوا منك، وبالذات المستكبرون، الطغاة، المجرمون، الظالمون، المفسدون، السيئون… هذه الفئات الموجودة في واقع البشرية بكثرة، وحاضرة في الساحة، وموجودة في كل مكان وزمان، لا بد من انزعاجهم منك، ولا بد أن يتحركوا ضدك، وكلما كنت فاعلًا ومؤثرًا أكثر، كلما كانت مشكلتهم معك أكبر.
الانتماء للحق.. ما ذا يعني؟
الانتماء للحق: هو انتماء تحرري، تحرر من هيمنة الطاغوت والاستكبار، تحرر من سيطرة الظالمين والطغاة والمجرمين والمفسدين، وهذا بالتأكيد يزعجهم، وهذا بالتأكيد يدخلك في مشكلة معهم، ويصبح هذا معيارًا لمدى مصداقيتك، لمدى ما أنت عليه من الثبات على هذا الحق الذي تنتمي إليه.
فرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الطيب، الطاهر، الصالح، الحكيم، الراشد، المهتدي، العظيم، الذي هو على أرقى مستوى من مكارم الأخلاق، ها هو في خضم المعركة، وها هو في طليعة الأحداث، وها هو يصارع ويواجه هذه التحديات والأخطار، والخصوم يحاربونه من هنا وهناك، والتحالفات لمواجهته تنعقد، من عرب، إلى يهود، إلى نصارى، إلى هنا أو هناك، وتكاتف وتظافر للجهود بالسعي لقتله والقضاء عليه، وإنهاء المشروع الذي آتى به من عند الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-.
هذه الدروس يجب أن تترسخ في الذاكرة العامة، يبتني عليها أن ينطلق الناس وهم واعون يعني، واقعيون، فاهمون لهذه الحياة، لهذا الواقع، للانتماء إلى الحق ماذا يعني، لطبيعة هذه الحياة وطبيعة المجتمع البشري وما فيه، وألَّا ينخدعوا بالواهمين والسذج والحمقى والأغبياء والجهلة الذين يقدِّمون تصورات أخرى، يدجِّنون المجتمع من خلالها للطغاة والمستكبرين، ولذلك حتى من يقدِّمونها باسم الدين نقول لهم: القدوة في الدين هو رسول الله، رسول الله كان شخصًا مجاهدًا، قائدًا مجاهدًا، رجّال مواقف، يقولوا له: [يصوروا الناس بالتدين، سير داخل المسجد وتفتح الختمة، ومن بيتك إلى مسجدك ومالك حاجة] {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ}، اسرح، إلهم الله، اتحرك يا نبي الله، حرك الأمة تجاهد.
{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ}، (رَبُّكَ)، وهنا درس مهم جدًّا في التحرك في سبيل الله، وهو: أنه جزءٌ أساسيٌ من الالتزام الديني والإيماني، كما قلنا يعني: ليست مسألة هامشية، ولا ثانوية، ولا…، جزء أساسيٌ من الالتزام الديني، ربنا الذي يخرجنا للصلاة، ويحركنا للصيام، وأمرنا بهذا وذاك من صالح الأعمال، أمرنا بالجهاد في سبيله، أمرنا بالتحرك لمواجهة الطاغوت والإجرام والاستكبار والظلم، لا يقبل لنا أن نذعن، وأن نستسلم، وأن نخنع لقوى الشر والإجرام والطاغوت الظالمة والمستكبرة، التي تسعى للسيطرة علينا والتحكم بنا والاستحواذ علينا، وتسعى لأن تدوسنا، وتظلمنا، وتضطهدنا، وتذلنا، وتستعبدنا، لا يقبل لنا بأن نستسلم لها وأن نخنع لها، لا بد من أن نتحرك لمواجهتها وأن نتصدى لها.
{أَخْرَجَكَ رَبُّكَ}، التزام إيماني وديني، كما الصلاة، كما الصيام، كما الزكاة، كما الحج، كما برِّ الوالدين، كما كما… كما بقية الالتزامات الدينية، هذا منها، وهذه مسألة مهمة جدًّا؛ لأن الكثير من الناس قد غفلوا عنها، لم يعودوا ينظرون إليها بمقدار ما ينظرون إلى الصلاة كالتزام ديني، كفريضة فرضها الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- هذا أيضًا فرضٌ فرضه الله أن نتحرك بكل ما نستطيع، بكل الوسائل المشروعة للتصدي لقوى الشر والطاغوت.
الصراع على أساس الحق.. قضية محورية
{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ}، رسول الله يتحرك بأمر من الله، التزام ديني وإيماني، {مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}، والتحرك- بالذات في الصراع، وفي ميدان الصراع- لا بد أن يكون بالحق وللحق وعلى أساس الحق، هذه قضية محورية ورئيسية ومهمة جدًّا جدًّا جدًّا.
لاحظوا، في ساحتنا العامة هناك غفلة كبيرة عن هذه المسألة، وهناك جهل رهيب جدًّا بها، مثلًا: كثير من المناطق يتصور الكثير من الناس فيها أنه لا مشكلة في أن يذهب ليقاتل في هذه الدنيا مع أي طرف، إذا كان با يعطيك فلوس، سابر، كائنا مَن كان، وفي أي اتجاه، وتحت أي عنوان، أو أي قضية، هذه كارثة.
الصراع مسألة حسَّاسة جدًّا، الصراع يترتب عليه في واقع البشر مآسٍ ونكبات، ويترتب عليه مشاكل كبيرة في الواقع البشري، ولهذا يروى عن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- أن أول ما يقضي الله بين عباده يوم القيامة في الدماء: القتال، الحروب، الصراع، وبالذات عندما تتحول المسألة إلى مسألة حروب وأحداث، ليست مسألة سهلة يعني أنك تنجذب إلى طرف هنا أو هناك، ليش؟ إما بدافع الإغراء المالي: (أعطاك شوية فلوس)، أو بدافع العصبية: (تتعصب لقبيلتك التي مالت إلى صف معين، أو حزبك الذي اتجه في طرف معين، أو كذلك من تربطك به رابطة أسرية في اتجاه معين، أو أيًا كانت المؤثرات الأخرى)، غير الحق لا ينبغي أن يستقطبك شيء، وأن يدفع بك إلى الموقف في طرفه، في صفه، في صالحه. لا عصبية مذهبية، لا عصبية قبلية، لا عصبية مناطقية، ولا إغراء مادي، ولا خوف يؤثر عليك فتشعر بالضعف والقلق أن ذلك الطرف يمكن أن يسيطر فتنظم إلى صفه، احرص أن تكون إلى جانب الحق، والحق عادةً يكون واضحًا، ليس مغمورًا ومخفيًا، ما عاد نعرف كيف نراه (الحق). |لا|، البعض عادةً يشوشون على أنفسهم، البعض عادةَ يلبِّسون على أنفسهم، كما قال الإمام علي -عليه السلام- عن المغيرة: أنه لبَّس على نفسه، (لبَّس) يعني: هو عارف المسألة ومحاول يوجه لعمار بن ياسر استفسارات وتساؤلات، وكيف يعني: عنده إشكال معين. لا، لبَّس على نفسه، البعض يساعده يلبِّس على نفسه، وإلَّا عادةً الحق يكون واضحًا.
الملبِّسون على أنفسهم: إن البقر تشابه علينا!
لاحظوا فيما يتعلق كمثال مهم نعاني منه في واقعنا الحالي: هذا العدوان على بلدنا قضية واضحة، أُعلن من واشنطن، أول ما أُعلن، عادل الجبير من واشنطن أعلن تحالفاً بالحرب على اليمن، بدأ هذا العدوان من أول غاراته الجوية استهدف في صنعاء حيًا سكنيًا مكتظًا بالسكان المدنيين، قتل منهم عددًا كبيرًا، ودمر مساكنهم، وواصل على هذه الوتيرة، كل يوم يقتل من الأطفال والنساء، ثم تحرك ودمر البنية التحتية، دمر الطرقات، دمر المصالح العامة، أهلك الحرث والنسل بشكل كبير جدًّا، وبشكل هائل يعني، وبدمار كبير جدًّا.
القتل الذي يمارسه، والجرائم التي ينتهكها بشكل فظيع- لا نحتاج إلى الحديث، يعني: أمر معروف- في المدن، في القرى، في الأسواق، في المساجد، في المستشفيات، في المدارس، في في…الخ. ثم تحرك برًا متحالفًا مع كثيرٍ من المرتزقة وشذاذ الآفاق في هذه الدنيا لاجتياح بلدنا، وحاول أن يستقطب من أبناء بلدنا من يقفون إلى صفه، بعضهم بالمال، وهذه واضحة: (أغروا بالمال، وانطلقوا من أجل المال فحسب)، البعض من أجل مكاسب سياسية: (يتصورون أن هذا العدوان سينجح في احتلال البلد، ثم يعطيهم مناصب) البعض أيضًا بعقد وأحقاد (مريض)، يريد أن يصفي حساباته مع طرف هنا أو طرف هناك، فئة هنا أو فئة هناك، وتحرك هذا العدوان الأجنبي، الذي على رأسه أمريكا، تعلن مشاركتها، وتتحدث عن دورها الواسع، إسرائيل تقول: [هذا العدوان أنا أؤيده، ويمثِّل مصلحة مشتركة بينها وبين السعودية] -كما تقول هي- وتساهم فيه، حتى في هذه الأيام الجانب الفني رصد حركة للطائرات الإسرائيلية فوق الحديدة، تشارك فيه، وتحدثت في وسائل إعلامها، وأمر واضح يعني، والأطراف التي لها دور رئيسي في العدوان كـ (النظام السعودي) واضحة في ارتباطها بأمريكا، وواضحة جدًّا في علاقتها مع إسرائيل، وصلت لدرجة أن يقول الأمير بن سلمان: أن لليهود الحق في فلسطين، وأن يقيموا لهم دولةً على أرض فلسطين، ويسميها أرض أجدادهم، وتحالف واضح، وروابط واضحة.
الجهة بنفسها، جهة على رأسها أمريكا، خلفها إسرائيل، داخلها النظام السعودي والنظام الإماراتي المعروفين بارتباطهما وولائهما لأمريكا وعلاقتهما بإسرائيل، والمعروفين بقلة خيرهما، وكثرة مشاكلهما في المنطقة، وأدائهما السلبي في المنطقة بشكلٍ عام، ومؤامراتهما وما أثارتا من الفتن في أقطار كثيرة من المنطقة العربية، وأنهما لا يمثِّلان جهة خيرٍ أو حرصٍ على مصلحة الأمة أبدًا، المرتزقة الذين التحقوا: هذا بدافع المال، هذا بدافع مكاسب سياسية، هذا لتصفية حسابات وأحقاد، الجهة نفسها جهة باطل، الأمريكي جهة باطل، من يحظى برعاية أمريكية وتأييد أمريكي في موقفه، ومساندة مباشرة، لا يمكن أن يكون جهة مُحِقة، من يحظى بمباركة إسرائيلية، وارتياح إسرائيلي لموقفه، ومباركة، وتشجيع، ومساهمة، ومشاركة… لا يمكن أن يكون جهة حق أبدًا.
مع ذلك، الممارسات الإجرامية الفظيعة جدًّا جدًّا منذ بداية العدوان وإلى اليوم، والجرائم الرهيبة لا يمكن أن تكون من جهة حق، والموقف بأصله وفصله وجملةً وتفصيلًا ليس حقًا.
في المقابل، مسؤوليتنا أن نتحرك لندافع عن أنفسنا، وعن شعبنا، وعن بلدنا، وعن حريتنا، وعن كرامتنا… في مواجهة بغي علينا، عدوان علينا بغير حق، ابتدأنا هو، وظلمنا هو، واجتاح بلدنا هو، ابتدأنا بالغارات، ابتدأنا بالاجتياح، بغى علينا، واعتدى علينا، وظلمنا، وارتكب بحقنا- كشعبٍ يمني- أبشع الجرائم، ودمَّر، وأهلك الحرث والنسل، وفعل وفعل…الخ. ويريد ويسعى لما هو أسوأ، للاستعباد والإذلال والقهر، الحق هو أن نخرج، أن نتحرك، أن ننهض بالمسؤولية، أن نتصدى لهذا العدوان كمسؤولية وكواجب حتمي.
عادةً لا يكون موضوع الحق غامضًا وخفيًا، شوف الموقف بكله (من رأسه إلى عاسه) -كما يقولون في التعبير المحلي- ويش فيه؟ من جهته؟ ماهي أطرافه؟ ما يسوي؟ مسألة واضحة، لا يكون الإنسان بقريًا على سالفة بني إسرائيل {إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [البقرة: من الآية70]، متشوشًا في ذهنه وفي فهمه. لا، يعني افهم يا أخي، لا تجي بقرة، افهم الله المستعان، المسألة واضحة! {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}، فالحق يجب أن يكون هو الأساس للموقف، ولا يكفي العناوين.
ثقافة التوحش الأعمى.. لمصلحة من؟
نحن قلنا: أن المشكلة الأخرى في مقابل– أيضًا– ثقافة التدجين، هناك ثقافة التوحش الأعمى، النشاط التكفيري الذي يوظف العناوين الدينية، منها عنوان الجهاد في سبيل الله، وعناوين أخرى يوظفها- أيضًا– في خدمة الباطل، ولكن- أيضًا– يتضح حالهم وأمرهم بشكلٍ بيِّن، أدنى تأمل، أدنى تفهم، تجرد وسلامة من العصبيات والأهواء والمسألة واضحة جدًّا، مثلًا: في سوريا اتضحت علاقتهم بإسرائيل، يتعالجوا عندها، وتدعمهم، وتبدي ارتياحها لمواقفهم، وتصرِّح بذلك، تعطيهم السلاح (يسرح هو واللحية، وعنوان الجهاد في سبيل الله)، ويتحرك، والإسرائيلي من هناك يدَّعى له ويبارك له، ويتمنى له النصر، يعالجه إذا جرح، ويش في سبيل الله! في سبيل الله والإسرائيلي والأمريكي مرتاح لموقفك، ويرى موقفك خدمة مباشرة له، ويعطيك البندق تسرح تجاهد في سبيل الله، أيش من جهاد هذا؟!، أنت تنفِّذ أجندةً له، مصلحةً له، تفعل ما هو لصالحه حتمًا وبكل وضوح، تعادي من يعاديه الأمريكي، وتوالي من يواليه، وتحظى برعاية من أدواته، الذي يدفع لك المال (النظام السعودي، أو الإماراتي)، كلاهما أدوات له، هذا التكفيري يقول لك: [نحن نقاتل في أحدى عشرة جبهة في اليمن] ويتبجح أنه يقاتل في صف أولا الذي سارحين يقاتلوا مع أمريكا، [وجهادًا في سبيل الله، وما أدري أيش…]، وانعم والجهاد!! يعني مهزلة مهزلة، المسألة ليست مجرد عنوان وشكليات، وبعض الأشياء الدينية، ثم تسرح تتحرك في خدمة أمريكا، في خدمة إسرائيل، في خدمة عملاء أمريكا وإسرائيل (النظام السعودي، النظام الإماراتي). |لا|، المسألة ليست كذلك، ليست مجرد عناوين.
الأسلوب هذا أسلوب شيطاني، يتجهون فيه إلى تعبئة دينية مجتزأة، تفصلك عن الحق، وتربطك بشكليات معينة، وبعناوين فقط، ولا تشوف الموقف بكله، وخلفيته، وأطرافه، ومساره وين؟ وأرجع بعدها البعض ينخدع يأتوا يتحدثوا معه عن: الجنة والشهادة، والجنة والشهادة، والجنة والشهادة، والحور العين، وما أدري أيش… لما قد هو يريد يدخل الجنة، [كيف أدخل الجنة؟]، قالوا: [سير اتفجر في أولئك المصلين في مسجد بدر، وإلا سير السوق الفلاني، وإلا اسرح الجبهة الفلانية]، جبهة في خدمة أمريكا وإسرائيل [قاتل معهم حتى تدخل الجنة]، ما ينظر إلى المسألة من أصلها وفصلها، ليس إلا هكذا يعني جاء به من هناء، من هذه المرحلة: مرحلة وين هي الجنة، وكيف هي، ويرجع يحددوا له هم، وظلم كبير يعني، وفي الوقت نفسه ضلال وجاهلية رهيبة جدًّا.
واتضحت وتجلت حقائق كبيرة، مثلًا: ما بعد قصة أفغانستان آنذاك، زعماء من الذين كان لهم دور بارز ورئيسي في التحشيد إلى جبهة أفغانستان، وزعماء بعضهم من الدينين، أنا سمعت أحد الزعماء (زعيم ديني) من كبار علماء التكفيريين، يقول: [صحيح أنا قاتلت في أفغانستان تحت راية أمريكا]، قالوا: [أنت إرهابي]، قال: [|لا|، أنا مش إرهابي، أنا قاتلت في أفغانستان إلى جانب أسامة بن لادن- قال- لكن تحت راية أمريكا، كانت المخابرات الأمريكية تدعمنا، كان هناك ضوء أخضر أمريكي]. فزعماء دينيون وزعماء سياسيون اعترفوا فيما بعد، وتجلى فيما بعد، وصرَّحوا فيما بعد أن المسألة كانت بإيعاز من المخابرات الأمريكية، عنوانها جهاد، لكن بإيعاز من المخابرات الأمريكية.
لاحظوا من أهم ما يفيد في هذا الزمن أن تنظر- دائمًا- وتتطلع إلى تلك الجهة: أئمة الكفر (أمريكا وإسرائيل)، كل الأطراف التي ترتبط بها من قريب أو من بعيد، وكل الأجندة التي تتحرك لصالحها في الساحة هي باطل بكل حال، باطل، حملت عناوين دينية، حملت عناوين سياسية، حملت عناوين وطنية، حملت أي عنوان… العناوين: هي ذرائع وتبريرات، وهي للتغطية والخداع للسذج والبسطاء والحمقى، الحق يجب أن يكون هو أساس الموقف.
نستكمل إن شاء الله البعض من الدروس عن معركة بدر في المحاضرة القادمة.
نسأل الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- أن يوقفنا وإياكم لما يرضيه عنا، وأن يوفقنا لنكون من عباده المتقين، المجاهدين، المهتدين، المتمسكين بالحق، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، ويفرِّج عن أسرانا، وينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛