خطاب السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في الذكرى السنوية للشهيد القائد 1439هـ
أُعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله خاتم النبيين.
اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات:
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
والسلام والرحمة والرضوان والبركات على قرين القرءان، وعلم الهدى، ورمز الحرية والإباء، وصوت الحق، قائدنا العظيم السيد المقدس/ حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- وفي ذكراه السنوية نقول له: يا سيدي على مدى أربعة عشر عاماً سَعَت فيها قوى الاستكبار والشر على إزاحتك وإزاحة مشروعك الحق من الساحة، ها أنت اليوم الأكثر حضوراً، والأعظم أثراً في وجداننا وقلوبنا إيماناً، وفي فكرنا وثقافتنا نوراً، وفي الميدان موقفاً، وفي الساحة مشروعاً قرآنياً هادياً، ومشروعك العظيم التفت حوله الأمة اليوم لتجد فيه المشروع الحق، والمشروع الضرورة الذي تتحرك به في مواجهة التحديات والأخطار.
أيها الإخوة والأخوات، اليوم عندما نعود للاستذكار لظروف نشأة هذا المشروع القرءاني، وتحرك السيد/ حسين بن بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- وما قبل هذا التحرك، نعي اليوم كم كان هذا المشروع مهماً جدًّا، وضرورةً ملحَّة، عندما نستذكر ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي سعت أمريكا لتوظيفها توظيفاً كبيراً جدًّا، واستغلالها بشكلٍ رهيب لاستهداف هذه الأمة.
وللأسف الشديد استغلت مدى انعدام الوعي لدى فئةٍ واسعة من أبناء الأمة تجاه الأهداف الحقيقية للهجمة الأمريكية والإسرائيلية، ومن المهم جدًّا أن ندرك مدى الارتباط بين الدور الأمريكي وما بين إسرائيل، ولذلك يجب أن نربط إسرائيل بطبيعة الهجمة الأمريكية، باعتبار ذلك ملازماً للهجمة الأمريكية، فأمريكا وإسرائيل هما وجهان لعملةٍ واحدة، والدور الأمريكي الذي يستهدف أمتنا لا ينفصل عنه ولا ينفك عنه الدور الإسرائيلي. إسرائيل مرتبطةٌ تماماً بالأجندة الأمريكية والمشروع الأمريكي والتحرك الأمريكي الذي يستهدف أمتنا.
الهجمة الأمريكية والتبريرات الزائفة
الهجمة الأمريكية التي اتجهت بشكلٍ غير مسبوق ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كان لها أهداف تمثِّل خطورةً بالغةً على أمتنا الإسلامية، والكثير من أبناء أمتنا غافلٌ عن حقيقة هذه الأهداف، وكان يُصَدِّق العناوين والتبريرات الأمريكية التي تتحرك من خلالها أمريكا وإسرائيل في الساحة، فيرى في تلك الأحداث أحداثاً عابرة وجزئية ومحدودة ولأهدافٍ محدودة، مثلاً: عندما كان العنوان الهجوم على أفغانستان، البعض كان يرى أن المسألة لا تتجاوز هذا العنوان، ثم حينما أتى عنوان الهجوم على العراق، البعض- كذلك- رأى أن المسألة لا تتعدى العراق، بينما الأهداف الحقيقية التي صُنِعت من خلالها أحداث الحادي عشر من سبتمبر هي استهداف أمتنا بشكلٍ كامل، والسيطرة التامة على منطقتنا الإسلامية، وفي المقدمة منها المنطقة العربية بشكلٍ تام، والسيطرة على أبناء الأمة بشكلٍ كاملٍ أيضاً، والاستراتيجية التي اعتمدت عليها أمريكا و إسرائيل في هذه الهجمة هي: الهجمة التي يترافق معها تكبيلٌ لهذه الأمة عن أي تحرك مضاد، والهدف أن تتم عملية السيطرة على الأمة، وعلى أرضها، وعلى مقدراتها، وعلى بشرها وحجرها وشجرها وكل مقدراتها بأقل كلفة، ومن دون تبعات كبيرة، ومن دون كلفة كبيرة.
فكان هناك سعي كبير جدًّا، وسياسات وأساليب خطيرة وخبيثة وشيطانية يتم من خلالها استغلال الأمة، وتوظيف كل مقدرات الأمة فيما يساعد على تحقيق هذه الأهداف، وفي السعي لتحقيق هذا الهدف الكبير: السيطرة التامة والكاملة على هذه المنطقة وعلى شعوبها وعلى مقدراتها، استخدمت أساليب شيطانية ومؤثرة، سيما أن الحالة السائدة في أوساط الأمة مساعدة على نجاح تلك الأهداف، في مقدمتها التركيز على اختراق الأمة من الداخل؛ بغية الاستغلال لهذه الأمة بنفسها في ضرب نفسها، وبغية التسهيل بشكلٍ كبير لهذه الهجمة لتتمكن من دون عوائق كبيرة، من دون مطبات كبيرة إلى الوصول إلى كل أهدافها.
الاختراق للأمة ووسائله المتعددة
الاختراق للأمة كان أسلوباً رئيسياً في هذه الهجمة، وبناءً على هذا، تحت هذا العنوان: (الاختراق للأمة)، كان هناك وسائل متعددة، منها: صناعة الذرائع التي يمكن أن تنطلي على الكثير من الحمقى والمغفلين، والكثير- أيضاً– من منعدمي الوعي والغافلين عن العدو، ومستفيدين من مرحلة ماضية لم تكن الأنظمة المتحكمة في شعوب أمتنا تُعِيرُ اهتماماً لتوعية هذه الشعوب تجاه الأخطار، وتجاه المكائد، وتجاه الأعداء في كل أساليبهم الشيطانية، وما يريدونه في هذه الأمة وبهذه الأمة.
صناعة الذرائع أسلوب أو وسيلة رئيسية اعتمد عليها الأعداء، اعتمد عليها الأمريكي بشكلٍ كبير، وهو يدرك أن هذا أسلوب فعَّال، ووسيلة مؤثِّرة، ويمكن أن تنخدع بها فئات واسعة من أبناء الأمة، فجاءت ذريعة الإرهاب، ذريعة القاعدة، وهي بالتأكيد صناعة أمريكية، إضافة إلى صناعة أحداث معينة، مثل ما هو الحال بالنسبة لحادثة الحادي عشر في استهداف البرجين، هذه حادثة صُنِعت خصيصاً لتكون ذريعةً تُستَغل وتوظَّف إلى أقصى حد، وتأتي أمريكا لتجعل منها مبرراً في استهداف هذه الأمة، وفي الدخول إلى هذه الساحة بشكلٍ غير مسبوق، بشكل سيطرة تامة، دخول مختلف عما كان عليه الحال في الماضي من مجرد هيمنة بطريقة غير مباشرة: هيمنة سياسية، هيمنة اقتصادية، هيمنة إعلامية، هيمنة ثقافية وفكرية، مطلوب الانتقال من حالة الهيمنة غير المباشرة إلى السيطرة المباشرة التامة والكاملة.
أمريكا وتوظيف العناوين والمصطلحات
أيضاً توظيف عناوين ومصطلحات تشتغل من خلالها أمريكا، وتحرص على أن تكون غير مستفِزَّة، فأتى مثلاً: عنوان التحرير في عملية الاحتلال للعراق، مثل ما هو اليوم عنوان في الهجوم على بلدنا في اليمن: عنوان التحرير، عنوان مثلاً: الديموقراطية، عناوين حقوق الإنسان، عنوان مكافحة الإرهاب، عنوان الحرية… مجموعة من العناوين والمصطلحات تحركت أمريكا تحتها، أبرزها عنوان مكافحة الإرهاب، وركَّزوا على توظيف هذه العناوين والتحرك من خلالها، وهذه طريقة أرادوا من خلالها ألَّا يستفزوا الأمة، لو أتى توجههم نحو المنطقة واحتلالهم لهذه البلدان تحت عنوان صريح وواضح، أنه [يا أيها الأمة الإسلامية، يا أيتها المنطقة العربية: نحن آتون لاحتلال أرضكم، والسيطرة عليكم، ومصادرة ثرواتكم ومقدراتكم، والاستهداف لكم في دينكم، وفي عرضكم، وفي أرضكم، ومصادرة حريتكم واستقلالكم]، هذه عناوين مستفزة، يمكن أن تسهم هي- بحد ذاتها- في استنفار الأمة للتحرك المضاد والمواجهة لهذه الهجمة. ولكن |لا|، هم عرفوا هذه الأمة والسذاجة الكبيرة لكثيرٍ من أبنائها البسطاء الذين لم يحظوا في المراحل الماضية بأي عملية توعية تجاه العدو، تجاه أساليبه، بل كانت المراحل الماضية في كثيرٍ من بلدان هذه المنطقة حالة من التدجين، التدجين للحكومات الجائرة والمتسلطة، وأسهمت فيما بعد بالتدجين للعدو الخارجي والأجنبي القادم للسيطرة على هذه المنطقة وهذه الأمة.
فهذه العناوين أسهمت إلى حد كبير في أن تستغل البساطة السائدة في أوساط الكثير من أبناء الأمة؛ فصدَّقوا، البعض صدَّق أنه ما من هدف أمريكي لهذه الهجمة، ولا إسرائيلي حتى، إلا لمجرد مكافحة الإرهاب، هناك فئة بسيطة كانت تُعَدّ- أحياناً- بالعشرات، وأحياناً بالأقل، أحياناً يقولون: البلد الفلاني، أو الدولة الفلانية فيها خمسة من تنظيم القاعدة، والبلد الآخر فيه ثلاثة من تنظيم القاعدة، والبلد الآخر فيه عشرة من تنظيم القاعدة، والبلد الآخر احتمال أن يذهب إليه أحد عناصر تنظيم القاعدة، وبكل بساطة يصدَّق هذا الكلام عند البعض، وتتقبله الحكومات والأنظمة، وتدخل في التزامات واتفاقات في أن تكون تحت القيادة الأمريكية، واتجهت بالتالي هذه الأنظمة في معظم هذه المنطقة لتكون جنوداً مجندةً خاضعةً لالتزامات للتحالف مع أمريكا تحت قيادتها، وفي فتح المنطقة أمام أي تحرك أمريكي تحت هذا العنوان.
وهذا العنوان الأضحوكة والمهزلة الذي رأينا كيف أصبح لعبة واضحة ومكشوفة، فإذا بالحالة تتنامى، يعني: بلد معين فيه خمسة من القاعدة، والمطلوب أن تتحرك أمريكا للسيطرة عليه والتدخل فيه عسكرياً، أمنياً، سياسياً، اقتصادياً، إعلامياً، وبكل الوسائل والأساليب، وأن تجعل لها قواعد عسكرية، وأن تنفِّذ وتتحكم في السياسات، والمواقف، والمناهج التعليمية، والسياسات الإعلامية… إلى غير ذلك. تحت هذا العنوان، وهل يجدي ذلك؟!
فتحوا لها المجال، تحركوا معها بكل جدية وبكل اهتمام، وفعلوا لها كل شيء؛ فإذا بالمسألة لم تصل إلى نتيجة، والمشكلة لم تُحل، تفاقمت المشكلة وتعاظمت، المسألة لم تنته عند مجرد وجود خمسة عناصر من تنظيم القاعدة، أو سبعة، أو عشرة، أو نحو ذلك، أو في حالات الاحتمال أن يأتي أحد، أو يدخل أحد من تنظيم القاعدة، بل وصلت المسألة أنهم يأتون وينشئون ويصنعون الآلاف من تنظيم القاعدة، ويطوِّرون الحالة هذه من حالة أمنية إلى حالة عسكرية؛ فإذا بالمسألة أنهم يصنعون ويهيئون الظروف لأن تتوفر، أو تتواجد الآلاف المؤلفة من تنظيم القاعدة، وأن تُمَكَّن من احتلال مساحات شاسعة، ثم إذا بالمسألة تتطور إلى إنشاء دول، فنسمع بما يسمى بتنظيم الدولة وتنظيم داعش الذي أرادوا له وهيأوا له الظروف لأن يتمدد، وأن تتسع رقعة سيطرته في هذه الساحة العربية، والساحة الإسلامية، فبالتالي يكبُر هذا المبرر، وتكبر هذه الذريعة؛ لأنهم أرادوا لها أن تكبر، أرادوا لها أن تتعاظم، أرادوا لها أن تصبح حالة مستمرة في ساحة الأمة، وحالة كبيرة في واقع الأمة؛ ليكبر معها تدخلهم، وتعظم معها سيطرتهم، ولتتعاظم معها- أيضاً– أساليبهم وتدخلاتهم بشتى الوسائل والأساليب في هذه الساحة، وهذا الذي يحصل.
ولذلك ينزعجون جدًّا إذا ما توفر، أو إذا ما حدث أن أحداً من أبناء هذه الأمة يتجه بجدية لضرب هذه الذريعة وإزاحة هذه المبررات، ينزعجون جدًّا، فيظهرون في تحالف مباشر، وفي تدخل مباشر لمساعدة القاعدة، لمساعدة داعش، لمساعدة تلك التشكيلات التي أطلقوا لمكافحتها: عنوان مكافحة الإرهاب.
العناوين والمصطلحات التي تحركوا بها في داخل الأمة كثيرة ومتعددة ومتنوعة، أبرزها هو: عنوان مكافحة الإرهاب، إضافةً إلى أسلوب استغلال المشاكل بين أبناء الأمة، أي مشاكل سياسية، أي نزاعات، أي خلافات، أي صراعات تحت أي عنوان، توجهوا لاستغلالها بشكل كبير، إضافةً إلى تفعيل أدوات تعمل لهم من داخل الأمة.
ما الذي ساعدهم على تحقيق الاختراق للأمة؟
فإذاً الاستراتيجية الرئيسية التي اعتمد عليها الأمريكي واعتمد عليها الإسرائيلي لاستهداف أمتنا كانت هي: الاختراق لهذه الأمة، ومن هنا تحركوا تحت عناوين، تحت مصطلحات تساعد على هذا الاختراق، وتساعد على تفعيل كل شيء من داخل هذه الأمة، فكانت مشكلتنا التي ساعدتهم في داخلنا كأمة إسلامية؛ أنه أصبح عندنا وفي داخل ساحتنا، من المنتمين لأمتنا، فئات، قوى، كيانات، منها ما هو دول معينة، أنظمة، سلطات، منها ما هو جماعات، منها ما هو فئات ونخب، من النخب الإعلامية والثقافية والأكاديمية، من مختلف أبناء الأمة، من يتحرك معهم بكل الأساليب، من يتحرك معهم عسكرياً، من يتحرك معهم أمنياً، من يتحرك معهم ثقافياً، من يتحرك معهم إعلامياً، من يتحرك معهم في الساحة الاقتصادية، في كل المجالات أصبح هناك فئات وتشكيلات وقوى من داخل الأمة تتحرك لصالح أمريكا وخدمة إسرائيل، وبشكلٍ صريحٍ في أكثرها، وبشكلٍ مباشر، وإن كان تحت عناوين أخرى لبعضها.
فكانت المشكلة كبيرة جدًّا على هذه الأمة، والمعاناة كبيرة، والتحدي كبير وخطير؛ لأننا لو سلمنا هذه المشكلة وبقيت المواجهة بشكل مباشر، مواجهة هذه الأمة بشكل مباشر مع الأمريكي، وبشكل مباشر مع الإسرائيلي، من دون أن تبلى الأمة بمن يتدخل كأدوات ليكون هو المِترس الذي تَتَتَرس به أمريكا، ممن يكون هناك من يتحرك كأدوات لأمريكا، تستخدمه أمريكا لضرب الأمة من الداخل، لو كانت المواجهة مباشرة، والمشكلة مباشرة مع الأمريكي والإسرائيلي، لكانت أبسط وأهون وأجدى، ولَكُنَّا في مواجهة مريحة بكل ما تعنيه الكلمة، لكن المحنة كبيرة، والمشكلة كبيرة، والمأساة- بكل ما تعنيه الكلمة- المأساة كبيرة جدًّا.
ما لا تطيقه أمريكا وإسرائيل
وفعلاً كانوا أذكياء، الأمريكيون والإسرائيليون هم أذكياء عندما استخدموا هذا الأسلوب: أسلوب الاختراق للأمة، وتوظيف صراعاتها ومشاكلها، والتحرك تحت عناوين مخادعة، وأساليب مخادعة، والتوظيف لأدوات، والتفعيل لقوى وكيانات تشتغل وتعمل لمصلحتها، هذا وفَّر للأمريكيين الكثير، أولاً- وفَّر لهم العنصر البشري، بدلاً من أن يقتل الآلاف من الجنود الأمريكيين، وهذا ما لا تتحمله أمريكا ولا تتحمله إسرائيل، هذا الشيء معروف، لا الأمريكيين ولا الإسرائيليين يتحملون أن يقدموا تضحيات جسيمة ورهيبة في حروب مباشرة مع الأمة، وأن يقتل- مثلاً– منهم عشرات الآلاف من الجنود، هذا أمر لا يطيقه لا الأمريكيون ولا الإسرائيليون.
نلحظ- مثلاً- أيام الاحتلال المباشر الأمريكي في العراق، في الحالات التي يقتل فيها جنود أمريكيون، عندما وصل أعداد الجنود الأمريكيين المقتولين في العراق لمئات اهتزت أمريكا، الرأي العام الأمريكي بات معارضاً للوجود المباشر العسكري الأمريكي في العراق بتلك الطريقة التي تكبدهم خسائر يومية، أصبح في كل يوم يقتل منهم، المقاومة العراقية الباسلة، والمجاهدين في العراق أصبحوا في كل يوم يستهدفون الأمريكيين، وأصبح في كل يوم يُقتل جنود أمريكيون في العراق، بالتالي لم تتحمل أمريكا هذا، فصارت هناك ضجة في أمريكا، اعتراض، وأصبحت المسألة غير مقبولة، ولا مُطاقة، ولا يتحملونها.
الحالة السابقة للجنود الإسرائيليين- مثلاً– في جنوب لبنان، عندما تحرك حزب الله والمقاومة اللبنانية واستهدفوهم بعمليات مباشرة وضربات متتالية، وكبدوهم الخسائر الجسيمة، وأصبحوا يقتلون يومياً، أو شبه يومي، فإذا بهم لا يتحملون ذلك؛ فإذا بالانسحاب من لبنان أصبح دعاية في الانتخابات الإسرائيلية، ينجح بها أصحابها ويفوزون بها، وإذا بالهروب الإسرائيلي من جنوب لبنان أصبح وسيلة ملحَّة بالنسبة لهم، وطريقة ضرورية للتخلص من هذا الثمن الذي يدفعونه يومياً.
فالأمريكي والإٍسرائيلي لا يريد أن تكون التكاليف باهظة، والخسائر جسيمة في جنوده، في ضباطه، وأن تسفك دماؤهم في مواجهات مباشرة بأعداد كبيرة جدًّا، هو يريد أن يأتي من يقاتل بالوكالة عنه، بالنيابة عنه، جيوش، جماعات تنزل إلى الساحة، تواجه كل من يعترض عليه، كل من يتصدى له، كل من يعارض احتلاله للمنطقة وسيطرته على الأمة، ونجح في هذا، ويأتي بالتالي حضوره تابعاً ووراء أولئك، تأتي تلك التشكيلات، تأتي تلك القوى التي تحارب بالوكالة، ويأتي خلفها، فتكون قواعده خلفها وتكون مؤمَّنةً بها، ومحميةً بها، محميةً بالعرب كجيوش، أو بالعرب كجماعات، يتحلقون حولها، فيكونون هم المِترس والحصن الذي يتحصن به الأمريكي، والذراع التي يبطش بها ويحارب بها الآخرين، استفاد من هذا كثيراً، وهذا أمر مؤسف جدًّا.
استفاد- أيضاً- في تفادي الكلفة المالية والاقتصادية، في بداية غزوه للعراق كلَّفه غزوه للعراق كثيراً (مليارات الدولارات)، فإذا به يتأذّى في وضعه الاقتصادي، ويتضرر في وضعه الاقتصادي، ويضغط عليه ذلك في وضعه الاقتصادي، في النهاية رأى أن في أسلوب الدفع بالآخرين ليقاتلوا بالنيابة عنه، وبطريقة بالنسبة له طريقة ممتازة، لا يكلفه ذلك شيئاً، بل على العكس يقاتلون بالوكالة عنه ويدفعون له المال، يكون- أيضاً– من يَدفع له، يَدفع ليس فقط بالوكالة عنه، وإنما يدفع له بالوكالة عنه، يعني أمر عجيب هذه الحالة الرهيبة الفظيعة!!
الأمريكي والاستفادة من الغباء العربي
من الغباء العربي: قدَّم خدمات لم يكن يحلم بها الأمريكي، ولم يكن يحلم بها الإسرائيلي، وربما لم تكن تخطر له على بال، يُدفع له المال، وتصبح عملية تنفيذ أجندته في المنطقة، والتحرك لخدمته في المنطقة، والقتال من أجله في المنطقة، وتحريك كل هذه الفتن والمآسي والنكبات في المنطقة، من أجله، وفي خدمته، ولتنفيذ أجندته، على نحوٍ- أيضاً– يُدِرُّ له دخلاً هائلاً، ويُكسِبه أموالاً هائلة وطائلة يقدمها أولئك العملاء الأغبياء الذين يدفعون له كل هذه الأموال الهائلة جدًّا.
فأصبحت- أيضاً- طريقةً بالنسبة له مريحة، مفيدة، توفر له مكاسب كبيرة، كل أشكال المكاسب: مكاسب سياسية، مكاسب اقتصادية، مكاسب لنجاح مؤامرته الكبيرة في ضرب هذه الأمة؛ لأنه يرى ضرب هذه الأمة، والوصول بها إلى حالة الانهيار التام، يرى في هذا وسيلة أساسية تمكّنه من استحكام سيطرته عليها، كيف يسيطر بشكل تام على هذه الأمة؟ لا بد أن يضرب هذه الأمة أولاً، لا بد أن يصل بها إلى الانهيار التام أولاً، حينها يسيطر عليها بكل راحة بال، وتصبح هذه الأمة في ثروتها البشرية وثروتها الاقتصادية والمادية وموقعها الجغرافي غنيمة، غنيمة كاملة لمن؟ للأمريكي والإسرائيلي، بَشَرُها جنوداً ومسخرين وخدماً (خَوَلَاً)، وثروتها له، وموقعها الجغرافي له، هذا الذي يريده الأمريكي، كيف يضرب هذه الأمة ضربة كبيرة، ضربة قاضية تصل بها إلى مستوى الانهيار، هل يدخل معها في حرب مباشرة، في صدام مباشر، تحت عناوين واضحة ومكشوفة وصريحة، هذا سيكلِّفه الكثير جدًّا، ولن يصل في النهاية إلى نتيجة، بل ستكون النتيجة معاكسة، سيستفز هذه الأمة، وسيدفعها إلى التحرك الجاد لمواجهته، وإلى الدفاع عن نفسها وعن أرضها وعن ثرواتها وعن مقدراتها.
إذاً، أسلوب الخداع، العناوين والمصطلحات المخادعة، الأدوات التي يسخرها ويشغِّلها ويفعِّلها من داخل هذه الأمة طريقة ناجحة، طريقة فعَّالة، ويبقى هو يدير، يشرف على العملية، يرتب، يخطط، ويدير هذه اللعبة ويشتغل عليها، من جهة هو يستهدف الأحرار والشرفاء في هذه الأمة، الذين يحملون الوعي تجاه مؤامراته وأهدافه الحقيقية، وأيضاً يحملون الحرية ويتحلون- أيضاً– بالإرادة الجادة والصادقة، ويتحملون المسؤولية في الحفاظ على هذه الأمة وعلى استقلالها وعلى كرامتها وعلى مقدراتها، فيستهدفوهم ويضربهم من خلال الآخرين، الأغبياء المنتسبين لهذه الأمة، ويستنزف أولئك الأغبياء، يستنزفهم اقتصادياً، يستنزفهم في قدراتهم العسكرية والبشرية حتى كما يخطط هو يصل بالطرفين إلى حالة الانهيار، أو يقضي على الأعداء، على الخصوم، على الواعين بحقيقة أهدافه، وأولئك لن يواجه صعوبةً أبداً في السيطرة التامة عليهم؛ لأنهم أصبحوا أساساً تحت سيطرته، يمكن أن يضربهم- أيضاً– ضربات قاضية، ويطوعهم أكثر، فيبقون في حالة من الضعف الشديد، هذا يمكن له بكل بساطة.
إذاً فلنفهم كيف نتحرك لمواجهة الاختراق
إذا أدركنا هذه الهجمة في استراتيجيتها، وفي أساليبها، وفي وسائلها، ورأينا ما وصلت إليه اليوم في ساحتنا العربية والإسلامية، وقد تجلت الحقائق على نحوٍ كبير، مثلاً: باتت الأدوات نفسها سواءً كجماعات، مثلما هو حال القاعدة وغير القاعدة، وكل التشكيلات المتفرعة عنها من داعش، وغير داعش، مسميات وعناوين كثيرة، أو كيانات بشكل أنظمة، مثل ما هو حال النظام السعودي، النظام الإماراتي ونحوهما، باتت ارتباطاتهم بالدور الأمريكي، بالهجمة الأمريكية، بالسعي لتنفيذ الأجندة الأمريكية باتت واضحة ومكشوفة بشكل كبير اليوم. نعي كيف ينبغي أن نتحرك لمواجهة هذه الهجمة التي استخدمت هذه الاستراتيجية في الاختراق للأمة، والشغل من داخل هذه الأمة، والعمل من داخل هذه الأمة، كيف ينبغي أن يكون موقفنا؟.
طبعاً خلال المرحلة الماضية، وبالتأكيد في بداية الهجمة الأمريكية كان هناك- أيضاً– أنشطة كثيرة للتدجين لهذه الأمة، وللخداع لهذه الأمة، يعني: كان الكثير من الناس- دائماً- لا يكتفي بأنه يتعامل بلا مسؤولية تجاه هذه الأخطار والتحديات، وبأنه لا يتحرك بجدية ليكون له موقف صادق في مواجهة هذه الأخطار والتحديات، لا يكتفي بجموده ولا بقعوده، إنما يأتي- أيضاً– ليعمل لصالح الأمريكي ولصالح الإسرائيلي في خداع أبناء هذه الأمة، أن المسألة ليست سوى ما يقوله الأمريكي ويدّعيه: مكافحة إرهاب، ليس هناك أخطار على هذه الأمة، مسألة بسيطة، تبسيط الأمور، الغِش للناس والخداع لهم، التكبيل لهم عن أي تحرك، العمل على أن تستمر حالة اللاوعي في واقع الأمة، حالة اللامسؤولية في داخل الأمة، البعض اشتغل على هذا كثيراً، وعمل عليه كثيراً وبشكل خطير وسلبي، والبعض- أيضاً– حاولوا أن يزرعوا حالة اليأس والروح الانهزامية داخل الأمة.
في ظل هذه الهجمة التي تستخدم هذه الأساليب، الساحة العربية كانت فيها بعض القوى الحرة، مثلما هو الحال بالنسبة لقوى المقاومة في لبنان، في فلسطين، كان فيها بعض الكيانات والدول الحرة والمستقلة، كما هو حال الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي هي خارجة عن نطاق السيطرة الأمريكية، لها موقفها، لها رؤيتها، لها وعيها تجاه الدور الأمريكي والإسرائيلي، لكن هناك بقية الشعوب، بقية أبناء هذه المنطقة، المساحة الأوسع في الساحة العربية والإسلامية، ساحة هل تبقى ضحية لهذه الهجمة؟ وهل تبقى- أيضاً– في حالة من انعدام الوعي، والتكبيل عن أي تحرك في مواجهة هذه الهجمة.
أتى المشروع القرآني تلبية للضرورة
هنا- أيضاً- اليمن، أتى المشروع القرءاني ليتحرك كنتاج لحالة وعي، وعي كبير، وعي عميق، وعي عظيم بطبيعة هذه الأخطار والتحديات، وأتى هذا المشروع القرءاني العظيم الذي يقوده السيد/ حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- وله مميزاته العظيمة والكبيرة والمهمة جدًّا، أتى وله أول ميزة من ميزاته أنه يلبي ضرورةً حقيقية ومؤكدة، لم يكن مشروعاً عبثياً ولا طائشاً ولا لمجرد صناعة مشكلة. |لا|، يا أخي المشكلات آتية وقادمة على أمتنا، موجودة وتتعاظم وقادمة على هذه الأمة، فلم يكن هو المشكلة أبداً، أنت أمام ساحة مليئة بالتحديات، مليئة بالمشاكل والفتن، وساحة- للأسف- قابلة لأن يلعب فيها العدو كل ألاعيبه لصناعة الكثير والكثير من المشاكل والفتن التي تخدمه، المشروع هذا مشروع يلبي ضرورة؛ لأن الآخرين الذين يقولون لنا أن نسكت، وأن نبقى مكبلي الأيدي، أن لا نفعل شيئاً وأن لا نصنع شيئاً تجاه هذه الأخطار والتحديات، لا هم نصحونا، ولا هم كانوا صادقين معنا، ولا هم يمكن أن ينفعوا الأمة بشيء، بل هم يجنون على الأمة؛ لأن الذي يقولونه للأمة أن تسكت، أن تصمت، أن تبقى مكبلة، أن لا تقول شيئاً، أن لا تفعل شيئاً، أن لا تتحرك، وأن تبقى خانعة مستسلمة لتسحقها الأحداث والمكائد والتحديات، ولتكون ضحية لهذه الهجمة الرهيبة جدًّا التي يريدون أن لا تواجه بشيء، وأن لا تقابل بشيء، وأن نبقى هكذا: خانعين، منتظرين أين يمكن أن تصل بنا الأحداث، هذا غش كبير للأمة، غش كبير، هذا منطق لا يحمل ذرة من النصح، ولا من الخير، ولا من إرادة الخير لهذه الأمة، ولا من الحكمة، ولا من المصلحة أبداً.
الأمة منتهى حالها وأمرها عندما تسحقها الأحداث هذه، عندما تدفع ثمناً باهظاً ومكلفاً جدًّا، ستصل في النتيجة إلى ضرورة أن تتحرك، فلماذا لا تحمل هذا الوعي منذ البداية؟ هل المطلوب أن تصل الأمة إلى نقطة الصفر؟ هل مطلوب أن يتمكن الأمريكي من تحقيق أهدافه 100%، وأن تنهار هذه الأمة بشكل تام، وأن تسفك دماء الملايين من أبناء هذه الأمة وبدون موقف، يعني: ليس في سياق الموقف الحر، ليس في سياق الدفاع عن النفس. |لا|، بل في سياق تلك الألاعيب والفوضى التي تسحق الأمة وتعبث بدمائها حتى تصل إلى مستوى الانهيار التام، ثم يسيطر الأمريكي بشكلٍ تام، ثم بعد ذلك يصيح الناس؟ لا.
القرآن الكريم يصنع الوعي العالي
القرءان الكريم الذي هو نور الله -سبحانه وتعالى- والإسلام العظيم، هذا الدين الذي ننتمي إليه، ليس دين استحمار، يصنع أمةً من الحمير، لا تعي شيئاً ولا تدرك شيئاً ولا تتنبه لشيء، تعصف بها الأخطار، وتهجم عليها الأخطار، وتحيط بها التحديات، ثم لا تحمل ذرة من الوعي، لا عن تلك الأخطار والتحديات، ولا عن كيف تحمي نفسها في مواجهة تلك التحديات والأخطار، هذه حالة من (الحَمْيَرَة).
الإسلام دينٌ عظيم، والقرءان الكريم الذي هو الأساس لهذا الدين هو كله نور، نتيجته، ثمرته، فائدته أن يصنع أمة على درجة عالية من الوعي والفهم، الوعي عن الواقع، الوعي بأعدائها. القرءان الكريم مساحة كبيرة جدًّا منه تتحدث عن العدو، من هو العدو؟ ما هي خطورة هذا العدو؟ ما هي أساليب هذا العدو؟ ما هي وسائل هذا العدو؟ ما هي نقاط الضعف ونقاط القوة التي يمكن أن يشتغل عليها هذا العدو في جانبه أو في جانب الأمة؟ فأن تكون أمة تنتمي لهذا الدين ولهذا القرءان منعدمة الوعي عن هذا العدو وعن خطورته، وعن التحديات والأخطار التي تواجهها، منعدمة الوعي عن كل ذلك. معناه: أنها أمة بعيدة كل البعد عن الاستفادة من هذا الانتماء، وعن الانتفاع بهذا النور، معناه أنها اتخذت القرءان وراءها ظِهرِيَّاً.
ومن خلال القرآن تحرك الشهيد القائد
ولذلك حرص السيد/ حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- في إطار المشروع القرءاني أن يتحرك من خلال القرءان الكريم، وأتى فعلاً من خلال النص القرءاني ليتحرك بهذا النص القرءاني في الساحة الإسلامية، وينطلق وفق أفق هذا النص القرءاني، هذا الأفق الواسع والرحب، لا مكبلاً بقيود مذهبية، ولا طائفية، ولا جغرافية، ولا سياسية؛ لأن المطلوب حركة تتجه في أوساط الأمة الإسلامية غير مكبَّلة؛ لأن الأمريكي أتى ليعمل في ساحتنا ولم يكبِّل نفسه، لم يكبِّل نفسه لا بالاعتبارات الجغرافية، ولا السياسية، ولا الدينية، ولا بأي عنوان يؤطِّر نفسه فيه، أتى ليكتسح الساحة بكلها، أتى ليقدم نفسه أنه المعني الأول في كل بلد، فهو- مثلاً– في اليمن يقدِّم نفسه على أنه المعني الأول بالشؤون اليمنية، المعني الأول بالشؤون السورية، المعني الأول بالشؤون الخليجية، المعني الأول بالشؤون في الشام، سواءً في سوريا، أو في فلسطين، أو في لبنان، أو في الأردن، المعني الأول بشؤون دول المغرب العربي، ساحتنا العربية، ساحتنا الإسلامية بشكلٍ عام أصبحت بالنسبة للأمريكي ساحة يقدِّم نفسه فيها بأنه المعني الأول بكل شؤونها، ويتدخل في كل الأمور، في الشؤون السياسية وكل التفاصيل، ولم يؤطِّر نفسه بأي أُطُر، وإذا لم يُواجَه هذا التحرك الواسع الذي أتى إلى الساحة بكلها، إذا لم يُواجَه بعنوان غير مكبَّل ولا مؤطَّر ولا مقيد، فهو يستفيد من هذه الحالة التي جزأ فيها الأمة، مستفيد أن يتحرك كل فريق، أو كل فئة داخل هذه الأمة- إذا تحركت- وهي تتحرك في مستوى إطار معين: إطارها الجغرافي، إطارها السياسي، واليمني غير معني بما هناك، غير معني لا بشأن الفلسطيني، ولا بشأن اللبناني، ولا بشأن السوري، ولا بشأن العراقي، ولا بشأن الخليجي، ولا بشأن المصري، ولا بشأن المغربي…إلخ. وكلٌ من أبناء هذه الأمة يعيش هذا الظرف، يرى نفسه غير معني بما يحصل هنا ويحدث هناك، هذا أمر قدَّم خدمة كبيرة للأمريكي، كان هذا هدفاً أساسياً يوم قام الغرب بتجزئة منطقتنا وتقسيمها، وحتى عمليات التقسيم المستمرة، وتحت عناوين متعددة، هي تهدف إلى ألَّا تتحرك هذه الأمة في إطارٍ واحد، وتحت عنوانٍ واحد، أن تبقى مجزأة ومبعثرة، وأن يستفرد بها العدو، فيستفرد بهؤلاء هنا وهؤلاء هناك، حتى يقضي على الجميع.
المشروع القرآني.. الرؤية الأدق والأرقى
السيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- تحرك من خلال النص القرءاني، من خلال المشروع القرءاني الذي هو مشروع يمكن أن يتسع لكل الأمة، لكل المسلمين، لكل أبناء الأمة، وهو المشروع الحق، والكلمة السواء، الذي لا يمكن أن يرتقي أي مشروع آخر ليكون بمستوى القرءان، يعني: لو بحثنا عن أي طريقة أخرى، عن أي مشروع آخر، عن أي فكرة أخرى، مهما كانت، لا يمكن لأي مشروع ولا لأي فكرة أن ترتقي لتكون بمستوى القرءان الكريم، ثم إنه برز سؤال كبير وعلامة استفهام كبيرة جدًّا؛ نحن كمسلمين ننتمي للإسلام، وأعظم ما نعتمد عليه في إسلامنا كمرجعية ثقافية ودينية، ومرجعية تنويرية هو القرءان الكريم. ألا يوجد في القرءان الكريم ما يمكن أن نستفيد منه وأن نعتمد عليه في مواجهة هذه التحديات والأخطار؟ ألا يوجد فيما يمكن أن يكون بالنسبة لنا نوراً وأن نستفيد منه الوعي اللازم الذي نحن في أمسِّ الحاجة إليه تجاه هذه التحديات والأخطار؟ علامة استفهام كبيرة. لماذا غيِّب القرءان بشكلٍ تام عن الرجوع إليه في ظل هذه العواصف والأخطار والتحديات الكبيرة؟
المشروع القرءاني يتصف بأنه: أرقى رؤية، وأدق رؤية تتناول هذا الواقع، وتحصِّن الساحة الإسلامية من الداخل؛ لأنه أكبر، أهم، أعظم ما تحتاج إليه أمتنا في هذه المواجهة هو تحصين الساحة الداخلية، كيف تتحصن الساحة الداخلية للأمة، وما هو أعظم ما يمكن أن يحصنها؟
كثير من العناوين يمكن أن يستغلها العدو بدلاً من أن تحصن الساحة الداخلية، يستفيد منها كعناوين مجزأة ومبعثرة، وكعناوين- أيضاً– يمكن أن يوظف البعض منها لإحداث صراع، ما بالك أن تحمي الأمة في واقع ساحتها الداخلية. المشروع القرءاني الذي يلامس هذه الأحداث، يتجه من خلال القرءان إلى هذا الواقع في ساحتنا الداخلية وتجاه العدو، وعلى قاعدة: (عينٌ على القرءان، وعينٌ على الأحداث)، هذه القاعدة المهمة جدًّا تصنع وعياً عالياً في واقع الأمة، تساعد على صناعة حصانة كبيرة في الساحة الداخلية للأمة، وعلى إيجاد دافع وحافز كبير نحو تحمّل المسؤولية، وهذان الجانبان أهم ما تحتاج إليهما الأمة (وعي، ومسؤولية).
القرءان الكريم لا يضاهيه ولا يساويه أي شيءٍ آخر في صناعة الوعي، ولا يساويه ولا يضاهيه أي شيءٍ آخر في صناعة المسؤولية، في ترسيخ الإحساس بالمسؤولية، وفي إيجاد دافع كبير لتحمل المسؤولية، والتحرك في التصدي لهذه الأخطار والتحديات، وإذا توفر الوعي الكبير للأمة، وتحلَّت بهذا الوعي، وحملت الإحساس الكبير بالمسؤولية، وتوفر الدافع الكبير للتحرك في مواجهة هذه التحديات والأخطار، توفرت للأمة أهم عوامل القوة التي تحتاج إليها للتصدي لهذا الخطر الكبير، وهذا ما نحتاج إليه بشكل كبير، وهذا من أهم الإيجابيات في المشروع القرءاني.
المشروع القرآني نشاط طبيعي.. فلماذا استُهدِف؟!
المقام لا يتسع للحديث عن الموضوع بشكل كبير، يبقى لنا أن نقول أننا اليوم ببركة هذا المشروع القرءاني، وبالرغم من كل ما واجه هذا المشروع القرءاني من يومه الأول من استهداف كبير جدًّا من يومه الأول، وهو بدأ بطريقة سليمة وصحيحة، ولم يكن هناك ما يبرر لا للسلطة في بلدنا، ولا للقوى الإقليمية التي وقفت معها ضد هذا المشروع القرءاني، لم يكن هناك ما يبرر لهم ذلك الاستهداف، مثلاً: بدأت مسيرتنا القرءانية العظيمة من خلال نشاط سلمي طبيعي، في إطار ما يسمح به الدستور في بلدنا والقانون الذي كان يكفل حرية التحرك السلمي، حرية التعبير، نشاط كبير توعوي من خلال القرءان الكريم، من خلال الثقافة القرءانية، وتصحيحي: يصحح الكثير من المفاهيم المغلوطة؛ لأن وراء ما وصلت إليه أمتنا الإسلامية من سقوط، وانحطاط، وضعف، وخلل كبير جدًّا، وتخلّف كبير جدًّا، وتفرق كبير… كل مشاكل هذه الأمة، ما وصلت الأمة إلى ما وصلت إليه من ضعف وشتات وفرقة وتخلف، إلا لخلل ثقافي: قناعات، مفاهيم، أفكار، أوصلت الأمة إلى ما وصلت إليه، لم تكن أمتنا الإسلامية هكذا: أمة ضعيفة من أول لحظة. |لا|، كانت في يومٍ من الأيام أمة عظيمة، كبيرة، قوية، سقطت واتجهت نحو السقوط والضعف والشتات يوماً إثر يوم حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، وعصفت بها في التاريخ محطات معروفة من الاستعمار والاستهداف الأجنبي، ولكن المشكلة في الأساس مشكلة ثقافية، مشكلة مفاهيم، قناعات، تصورات، أفكار، الإنسان دائماً في مواقفه، في سياساته، في تصرفاته، هو ينطلق من قناعات ومفاهيم وأفكار، إن كانت صحيحة اتجه بشكلٍ صحيح، إن كانت فعَّالة اتجه بشكلٍ فعَّال، إن كانت سيئة أو سلبية؛ كانت النتيجة في تصرفاته، في اتجاهه في الحياة على ضوئها، نتيجةً لها، ثمرةً لها.
فالمشروع القرءاني في مسيرتنا القرءانية بدأ بحركة صحيحة، طبيعية، سليمة، يقدم الثقافة القرءانية بطريقة توعوية، هُتَاف بشعار يُحَصِّن الساحة من الداخل من العمالة لأمريكا وإسرائيل، ويعلن عن موقف حيوي فاعل في البراءة من أمريكا وإسرائيل، ويعبِّر عن نبض، عن حياة، عن وجود، عن حضور، عن موقف تجاه ما تفعله أمريكا وإسرائيل، يُجذِّر الوعي بالخطر الأمريكي والإسرائيلي والموقف والتحمل للمسؤولية، يربط الأمة بقضاياها الكبرى التي يسعى الآخرون إلى إبعادها عنها، مثلما هو الحال بالنسبة للقضية الفلسطينية والمقدسات…الخ. لا يتسع الحديث لذلك، ولكن وُوجِه بحرب شرسة جدًّا، حروب تلو حروب، عداوة شديدة، حملات رهيبة من التضليل الإعلامي والكيد السياسي، عملية تشويه غير مسبوقة، ولا أعرف مشروعاً في الساحة الإسلامية وفي المنطقة العربية ووجه بعداوة شديدة، وبحملات رهيبة، وبعداء كبير، وباستهداف عسكري، واستهداف بكل أشكال الاستهداف، مثلما واجهته هذه المسيرة القرءانية.
المشروع حمل أسباب البقاء والنماء
وبالرغم من مستوى الاستضعاف، إلا أن هذا المشروع حمل أسباب البقاء والنماء، فتعاظم وتنامى وقوي واشتد بقدر ما حُورِب وبقدر ما وُوجه، وها هو اليوم حاضر في الساحة الإسلامية، حضوره القوي، حضوره المميز يحمل إرادة الخير تجاه أبناء كل الأمة، يرتبط بقضايا الأمة الكبرى، يَمُدُ يد الخير وينادي بوحدة أبناء هذه الأمة كلها واعتصامها بحبل الله جميعاً، يتحرك من خلال الكلمة السواء والمحقة، وساعد في تشكيل نواة صُلبة في ساحتنا الداخلية في اليمن.
عندما أتى هذا العدوان، لم يأتِ ونحن في حالة من الغفلة وفي حالة نوم، أتى هذا العدوان على بلدنا وهناك أمة متيقظة داخل هذا البلد، أمة تحمل الوعي، أمة تتحلى بالمسؤولية، أمة تثقفت بثقافة القرءان، واكتسبت منها النور والوعي والبصيرة، وحملت منها أعظم إرادة في الصمود والثبات والتصدي للعدو والمواجهة للتحديات والأخطار، والتف معها بقية الأحرار من أبناء شعبنا اليمني العظيم، واليوم مشروعنا القرءاني ومسيرتنا القرءانية مستمرة في الطريق، أربعة عشر عاماً من الحروب المتوالية والمستمرة والهجمات الإعلامية لم تتمكن من القضاء على المشروع القرءاني، ازداد تألُقاً وعَظُم وتوسع وانتشر؛ لأنه يلبِّي ضرورة. أولئك- كما قلت- الذين أرادوا أن يدجنونا لأمريكا وإسرائيل، ولعملاء أمريكا وإسرائيل، اكتشفوا هم، اتضح لهم أنهم هم المخطئون، من كانوا يرون موقفهم هو الحكمة، هو الصواب، هو التصرف الصحيح، اتضح أن موقفهم هو الخاطئ بكل ما تعنيه الكلمة، لن يجدي اليوم أمتنا إلا أن تحمل الوعي وأن تتحلى بالمسؤولية، ولن يكون لها أي مصدر يصنع لها الوعي يساوي القرءان الكريم، ولا أي مصدر تتحلى من خلاله بالمسؤولية، ويعطيها الدافع العظيم الذي تتحمل من خلاله مستوى التحديات، وتواجه كافة الأخطار مثلما هو القرءان الكريم، وهو الذي ينسجم مع هويتها الإسلامية.
اليوم نحن في مواجهة هذا العدوان، ننطلق من هذا المنطلق، نرى إيجابيته، ثمرته العظيمة والكبيرة والمهمة جدًّا، ونرى- أيضاً– أنه لا يزال يساعدنا على أن نبني واقعنا أكثر فأكثر فأكثر، هذه جملة مختصرة عن الموضوع الذي نتحدث عنه بهذه المناسبة، يبقى لنا أن نتحدث باختصار كبير عن المرحلة الراهنة فيما يتعلق بالعدوان الأمريكي السعودي على بلدنا.
العدوان.. مسارات التصعيد وقدراتنا إلى المزيد
العدوان يتجه بشكلٍ واضح نحو التصعيد، لديه مساراته العسكرية التي يهدف إلى التصعيد فيها بشكل كبير، بالذات فيما يتعلق بالساحل والحدود وبعض المحافظات. الحمد لله رب العالمين أن القدرة الصاروخية، وأيضاً القدرة فيما يتعلق بتفعيل الطائرات المسيّرة باتت واضحة اليوم أكثر من أي وقت مضى، هذا يمثِّل إحباطاً لهذا العدوان، الذي قال في أول ليلة من عدوانه- قبل ثلاث سنوات- أنه قد نجح في ضرب قدراتنا العسكرية في هذا البلد، وأنها أصيبت بالشلل التام، وخلاص أصبح مطمئناً.
قدراتنا العسكرية كلما استمر العدوان تتعاظم وتكبر وتتطور، هذا الذي يجب أن تعيه قوى العدوان جيداً، أن تعيه جيداً أنه كلما استمر العدوان فليتأكدوا أن قدراتنا العسكرية هي إلى مزيدٍ من التطور، إلى مزيدٍ- أيضاً– من الارتقاء، إلى مزيدٍ من الزخم، الصواريخ الباليستية اليوم في حالة من الزخم المستمر، في الماضي كانت على مستوى الشهر، وأحياناً بأكثر من شهرين أو ثلاثة، اليوم كل أسبوع القصف بالصواريخ الباليستية والحمد لله، الطائرات المسيّرة إنتاجها المحلي على نحوٍ جيد ومستمر، وستفعَّل بشكل كبير، هذا حقنا الطبيعي في الدفاع عن أنفسنا، وفي الدفاع عن بلدنا، وفي مواجهة عدوان أجنبي علينا بغير حق على بلد مستقل حر هو اليمن، ولن نألوا جهداً في تطوير هذه القدرات- إن شاء الله- وفي تفعيلها حتى تكون فعَّالة بشكل كبير في الاستهداف، ونوعية- إن شاء الله- في الاستهداف بما يحقق الردع المأمول إن شاء الله، وهدفنا هو دفع هذا العدوان عن بلدنا.
المطلوب على مستوى الجبهات من شعبنا العزيز: الاستمرار في عملية التجنيد الرسمي، التجاوب الكبير مع عملية التجنيد؛ لأننا نرى
لا مجال للإغماض بعد انتهاك الأعراض!
اليوم- يا شعبنا العزيز- ما آل إليه الحال في المناطق المحتلة، هناك ما يكفي في أن يدفعنا إلى أقصى حد للتصدي لهذا العدوان، الاحتلال هناك بشكل واضح في كل ممارساته الإجرامية، وصل إلى درجة انتهاك الأعراض، وصل إلى درجة انتهاك الأعراض!!، حالات الاغتصاب للنساء، مثلما حصلت في الخوخة، حصلت قبل ذلك في المخاء، وحصلت قبل ذلك- وتحصل بشكل مستمر- في المحافظات الجنوبية، وهناك بعض الإخوة في المحافظات الجنوبية تحدثوا عن هذا، وتحدثوا عن قصص وعن حكايات مؤلمة جدًّا، وعن جرائم مؤلمة جدًّا ومؤسفة جدًّا، العِرض اليمني مستباح، من لا يغتار لذلك، من لا يغضب لذلك، من لا ينفعل لذلك أصبح ديوثاً في مصطلح الشرع الإسلامي، من لا يبالي حتى عندما ينتهك العرض، عندما ينتهك عرضه، وعرض كل يمنية هو عرضك يا كل يمني ويا كل مسلم، إذا أنت والأعداء ينتهكون الأعراض ويغتصبون النساء ويغتصبون الأطفال، مثلما حصل في حيس: اغتصاب لطفل هناك، من لا يغضب، من لا ينفعل فهو من قد ذهبت نخوته وإنسانيته ومروءته وغِيرَتُه، وأصبح ديوثاً، أصبح إنساناً تافهاً، لا يحمل أي قيمة، ولا أي شرف، ولا مثقال ذرة لا من قبيّلة، ولا من شرف، ولا من وطنية، وللأسف البعض ظهروا على هذا النحو، البعض من المرتزقة ظهروا على هذا النحو: يقفون مع المعتدي، ويبررون له حتى جرائم الاغتصاب، ويبسِّطون المسألة ويهوِّنونها!. ليست سهلة، ليست بسيطة، هذا هو الشيء الذي يحصل في ظل الاحتلال.
الاحتلال معناه: أن تخسر حريتك، الاحتلال معناه: أن تخسر أرضك، الاحتلال معناه: أن تخسر عرضك، أن تستباح كرامتك، لا يظن الناس أن مسألة الاحتلال شيء طبيعي. |لا|، الاحتلال لا يبقى معه حرية، لا يبقى كرامة، لا يبقى أرض، لا يبقى عرض، تصبح أنت عبداً لذلك المحتل الأجنبي، وأرضك وثرواتك له، قواعد عسكرية ينهب ما يشاء منها، يأخذ ما يريد منها.
اليوم المنشآت النفطية في حضرموت، والمنشآت النفطية في شبوة، من المسيطر عليها؟ أوليس هو الإماراتي؟ أوليس هو اليوم من يسعى لتشغيلها والاستغلال لها؟ ثم تكون أنت كمواطن يمني في تلك المناطق على الهامش!، يمكن أن يعطيك البعض من المال، لكن مقابل ماذا؟ أن تبيع منه نفسك!، هذه عملية استعباد، هو يشتريك تصبح له عبداً، وتذهب إلى الميدان لتقاتل وتفديه، تسعى أنت لتضحي بنفسك فَتُقتَل ليتمكن من تثبيت احتلاله، ولتمكنه أنت- بتضحيتك في سبيله- تمكنه من السيطرة على بلدك، هل هناك غباء أكثر من هذا؟! هل هناك خسارة أفدح من هذه الخسارة؟! |لا|، أمر فظيع ومؤسف جدًّا.
فنحن اليوم نواجه هذا الغزو، وهذا الاحتلال الذي يمتهن العرض، ويمتهن الكرامة، ويغتصب النساء؛ لنحمي أنفسنا، لنحمي أعراضنا، لنحمي شرفنا، لنحمي كرامتنا، لو لم نفعل سنكون لا شيء، لا نحكي عن أنفسنا لا بكرامة، ولا بوطنية، ولا بقبيلة، ولا بإسلام، ولا بشيء.
فمطلوبٌ اليوم منا أن نكون أكثر وعياً، وأعظم ثباتاً، وأكثر عزماً في التصدي لهذا العدوان، وأن يتحرك الشباب إلى الجبهات لمواجهة قوى الغزو والاحتلال، التي ترتكب يومياً أبشع الجرائم، كل يوم وهي تقتل الأطفال والنساء، لا نحتاج إلى التوضيح، كل شيء واضح، وكلنا يعرف ماذا تفعله تلك القوى المعتدية، وماهي أهدافها، لن يبقى إلا أن نتحمل المسؤولية، وأن نتحرك بجد، ولا يتسع الوقت للكثير من الكلام حول بقية المواضيع، يمكن أن نتحدث عنها في كلمات قادمة إن شاء الله.
آمل- إن شاء الله- أن يكون هناك زخم كبير في التحشيد للجبهات، في التجنيد للدفاع عن أنفسنا، عن كرامتنا، عن أعراضنا، عن أرضنا، عن شرفنا، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرحم شهداءنا الأبرار، أن يشفي جرحانا، وأن يفرج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛